د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

تونس ولعبة التشويش السياسي

من يُراقب الشأن التونسي من بعيد خلال هذه المدة يشعر بوجود نوع من الغموض وحالة من الإبهام في الفهم. فهل إن المشاكل الاقتصادية هي المهيمنة على الخصومات والصراعات والنقاشات الحاصلة، أم أن الخلاف يشمل قضية الإرهاب التي لا تزال تمثل تحدياً حقيقياً، خصوصاً بعد حادثة تفجير امرأة نفسها في شارع الحبيب بورقيبة، أم أن كل ما في الأمر أن عدداً من الساسة انخرطوا في لعبة الخصومات السياسية والمصالح، ممارسين أعلى أشكال التشويش؟
سنحاول تفكيك هذه الأسئلة بشيء من الاختزال والتكثيف.. طبعا المشاكل الاقتصادية ما زالت متواصلة ومؤشرات الانفجار بسيطة جداً، ذلك إن التضخم مستمر والميزان التجاري يشكو من اختلال كبير والدينار لم يغادر غرفة الإنعاش والعجلة الاقتصادية لم تتحرك بالوتيرة المطلوبة ووفق ما يعانيه التونسيون من غلاء في المعيشة ومن كابوس البطالة الخانق لطموحات الشباب وحقهم في العمل والاستقلالية الماديّة. ولكن الخصومات الحاصلة لا علاقة لها بالاقتراحات والحلول ذات الطابع الاقتصادي؛ فالمشاكل الاقتصادية غائبة عن مضامين ما يحصل من معارك وخصومات.
وإذا أسقطنا الاعتبار الاقتصادي من المعارك الحاصلة في الحقل السياسي التونسي فإننا ننتقل آلياً إلى مساءلة صلة هذه المعارك بالسياسة والخلافات حول الأداء والتوجهات السياسية.
هناك تفصيل مهم جداً من الضروري الإشارة إليه، ويتمثل في أنه رغم الضجيج الهائل حول التناحر الآيديولوجي في تونس بين التقدميين الحداثيين والإسلاميين فإن نصيب هذا التناحر من الخصومات الحاصلة لا يكاد يذكر، وهو يُوظف توظيفاً في المعارك السياسية الشخصية وليس خلافاً آيديولوجياً سياسياً – سياسياً. ويظهر ذلك في ردود الفعل إزاء التحوير الوزاري الذي حصل الاثنين الماضي في تونس: أولا نشير إلى أن ما تم توصيفه بفك التوافق بين رئيس حركة النهضة السيد راشد الغنوشي ورئيس الدولة السيد الباجي قائد السبسي كان في جزء وافر منه بسبب اختلاف في المواقف إزاء رئيس الحكومة الحالي السيد يوسف الشاهد حيث اختارت «النهضة» مساندته خلافاً لرئيس الدولة. ولقد ربط الكثيرون برود علاقة رئيس الدولة برئيس الحكومة بسبب المعركة الحامية إلى حد القطيعة بين رئيس الحكومة وابن رئيس الدولة السيد حافظ قائد السبسي. ولقد تطور البرود والرفض ليتحولا من التلميح إلى المباشر العلني المكشوف، وهو ما كشف عنه رئيس الدولة من رفض للتحوير الوزاري الذي قام به رئيس الحكومة، وهو تحوير ساندته حركة النهضة. ومثل هذا الرفض أدى إلى اعتبار أن مؤسسة الرئاسة قد انضمت إلى المعارضة، ما يعني أن التوتر وعدم الانسجام باتا يهيمنان على مؤسستي الحكومة والرئاسة وانعكسا طبعاً على البرلمان. ومن يتعمق قليلاً في كيفية كشف مؤسسة الرئاسة عن رفضها للتحوير الوزاري يلحظ أنه اعتمد المرحلية، وبالنظر إلى طبيعة التحوير الوزاري يدرك أنه رفض مركب؛ فهو رفض لأن رئيس الحكومة مارس فيه صلاحياته الدستورية وغض الطرف عن العرف السياسي الجاري ولم ينسق مع مؤسسة الرئاسة، وهو سلوك جريء جداً من رئيس الحكومة. كما أنه رفض وقائي، لأنه كان هناك توقع رفض عالي النبرة لتعيين يهودي الديانة على رأس وزارة السياحة وهو السيد روني طرابلسي المشهود له بالكفاءة في هذا المجال. والواضح أن رئيس الحكومة أراد من خلال تعيينه بعث الكثير من الرسائل؛ أولاها الانخراط الجاد لتونس في مسار المواطنة القائمة طبعاً على عدم التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو العرق أو الجنس. أيضاً لوزير السياحة الجديد كفاءة وعلاقات، وأكيد أنه سيستثمر هذه الفرصة لتدعيم فاعلية يهود تونس وقدرتهم على تقديم الحلول الاقتصادية. أيضاً يجب ألا يفوتنا أن حادثة شارع الحبيب بورقيبة منذ أسبوعين كانت عاملاً قوياً، لحماية السياحة من أي وعكة، وهي التي تحاول لملمة جراحها بسبب الإرهاب منذ سنوات وشهور.
المشكلة الآن أن التشويش السياسي الحاصل ضد الحكومة من قبل أطراف من المفروض تابعة لحزب النداء، أو لنقل من الطيف التقدمي الحداثي، يمثل عائقاً أمام تركيز الحكومة وإنقاذها الاقتصاد التونسي ولو جزئياً. فالحكمة تقتضي أن يتمتع رئيس الحكومة بقدر من الدبلوماسية والقدرة على إطفاء الفتيل السياسي تماماً كتميزه بالجرأة في اتخاذ خطوات عدة. ذلك إن التشويش السياسي المتعدد الاتجاهات والأطراف، حتى وإن تمكنت الحكومة التي تتمتع بمساندة حركة النهضة سياسياً وفي البرلمان من مقاومة تداعياته على سير عملها، فإنه سيعبد الطريق للإرهابيين الذين ينتعشون بأجواء التوتر السياسي والخلافات ويتسللون منها كما حصل مؤخراً. ولعل دخول تونس في حالة طوارئ على امتداد هذا الشهر يؤكد خطر الإرهاب وجدية تهديده لتونس في الفترة المقبلة.
إن تونس تعرف اليوم تشويشاً سياسياً خطيراً تحركه مطامع إزاء حدث الانتخابات التشريعية والرئاسية للسنة المقبلة. لذلك نلحظ محاولة للوقوف أمام كل طرف سياسي يسعى للنجاح واعتبار أي محاولة للعمل هي بمثابة حملة انتخابية للانتخابات القادمة. إنه نوع من الهوس الذي سيفتح الباب أكثر للإرهاب وسيزيد من عزوف التونسيين عن المشاركة السياسية.
السؤال: لماذا لا يتخاصم الساسة حول حب تونس ولماذا لا يتنافسون حول الأقدر على إخراجها من وحل المشاكل الاقتصاديّة؟