حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

اقتصاد الحمام

قابلت بيل غيتس في ثلاث مناسبات مختلفة في حياتي، الأولى كانت في ولاية أريزونا الأميركية خلال تحضيره لكلمته خلال مؤتمر مغلق للتقنية عام 1987، وكان وقتها محدود النجاح وشركته في بداياتها، وتحدثتُ معه بشكل مطول عن اتجاهات التقنية المتوقعة.
ثم قابلته عند زيارته الأولى للسعودية حينما أجريت معه مقابلة تلفزيونية حصرية، وتطرقت معه فيها إلى عدد غير بسيط من المواضيع، وقبلها كنت قد قابلته في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس في سويسرا، حينما أطلق كتابه المهم «الطريق القادم»، الذي وضع فيه رؤية وخريطة طريق لمسيرة التقنية المتوقعة. وسألتقي معه في إثيوبيا بعد شهرين في مؤتمر هناك.
أنا معجب به وأحترمه. رجل متواضع يسخّر اليوم جلّ ماله لصالح الإنسانية، فيقوم بالصرف عبر جمعيته الخيرية على مشاريع عظيمة لمكافحة الملاريا والكوليرا والإيدز في أفريقيا وآسيا بشكل أساسي، وكل خطوة جديدة يخطوها هذا الرجل تنال الاهتمام. واليوم يعلن بيل غيتس في مؤتمر متخصص في الصين أنه ينوي إحداث ثورة في طريقة التخلص من النفايات البشرية (التبول والتبرز)، إنه يرغب في إحداث ثورة في الحمامات كما نعرفها اليوم.
بيل غيتس يعتقد أنه بسبب عدم وجود أساليب صحية للتبرز والتبول، تتسبب الأمراض الصحية الناتجة عن ذلك في مقتل أكثر من نصف مليون، وهذه المشكلات التي تكلف 223 بليون دولار سنوياً ستزداد سوءاً إذا لم يتم التدخل بشكل جاد وحقيقي، لأن الأمراض الناتجة عن سوء التجهيزات الصحية تؤدي إلى الإصابة بالسل والملاريا والكوليرا والإسهال وجميعها تؤدي إلى الموت.
بيل غيتس وجمعيته خصص 200 مليون دولار على مدى سبع سنوات لإطلاق الحمام الذكي، الذي يقضي «فوراً» على جميع الفيروسات والبكتيريا، مما يعني أن الذي يبقى هي مياه نظيفة وصالحة للشرب والري وبقايا ممكن أن تُستخدم كسماد أو الخلاص منها بلا معالجة. بيل غيتس لديه قناعة أن النمو السكاني الكبير المتوقع والمستمر في الأرض سيفاقم المشكلة بشكل خطير، وستزيد الأمراض نتاج عدم حل المشكلة، فبالإضافة إلى الضغوط الهائلة التي تحصل نتاج الهجرة إلى المدينة، هناك ندرة في الماء كمصدر أساسي، وازدياد القتال المتوقع عليه.
بيل غيتس يتوقع أن تكون صناعة تقنية الحمامات الذكية وأدواتها المصاحبة بحجم يتخطى الستة بلايين دولار بحلول عام 2030، مما سيعني أنه سوف تكون هناك فرصة نمو استثمارية فريدة من نوعها، وهو قرر أن يكون من أوائل المبادرين في هذا المجال اللافت. ولعل أبرز البلدان التي تعاني من هذه المشكلة هي الهند، فهي بلد كبير يقضي فيه أكثر من خمسين في المائة من سكانه في الخلاء. وهي مشكلة أدت إلى أن تكون أكثر من خمسين في المائة من حالات الاغتصاب ضد النساء تحدث لهن وهن في الهواء الطلق.
وفي عام 2017 سلط فيلم عبقري بعنوان «حمام» أو «تواليت» بالإنجليزية الضوء على هذه المشكلة. يحكي الفيلم أن زوجة رفضت إتمام زواجها من الرجل الذي طلبها لأن بيته بلا حمام. وكان لهذا الفيلم وقع مهم على رفع التوعية بهذه الإشكالية الاجتماعية. منذ ما يقارب العقدين من الزمن كانت مجلة «تايم» الأميركية العريقة قد أصدرت عدداً خاصاً عن أهم مائة اختراع في تاريخ البشرية جاء فيها في المركز الأول «كرسي الحمام التقليدي»، لما كان له من أثر مهم في تحسين صحة الإنسان، ووقايته من الأمراض عند قضاء حاجته.
إذا ما نجح بيل غيتس في توجهه فنحن أمام «ثورة» في مسألة اعتدنا عليها، ولكن التقنية تبقى أهم أدوات الإنسان لتقديم الحلول المذهلة. إنها ولادة مبهرة لاقتصاد الحمام.