محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

الغباء المستحكم

ما أسوأ أن تعمل مع أغبياء! ولذا تقدم بعض المؤسسات اختبار الذكاء (IQ) للتأكد من أن المنضم إلى صفوفهم قد اجتاز عتبة «الغباء المستحكم»!
القصة التي نشرتها صحيفة «الشرق الأوسط» في صفحتها الأخيرة، تصور ورطة التعامل مع الأغبياء. وذلك حينما اقتحم لصوص متجراً في بلجيكا، فأقنعهم صاحب المحل بأنه سيكون لديه مبلغ أكبر من المال إذا ما حضروا في نهاية الدوام. لأول وهلة ظننت أنه كان يحاول عبثاً أن يصرفهم؛ لكنه كان بالفعل ذكياً؛ إذ نصب لهم كميناً بالتعاون مع عناصر الشرطة الذين لم يصدقوا أصلاً أن اللصوص بهذا الغباء؛ لكنهم جاؤوا على مضض. وقبيل إغلاق المتجر بساعة، حضر أحد اللصوص ليخبره المالك بأن عليهم المجيء لحظة إغلاق المتجر. فحضر اللصوص الخمسة في الموعد، لتهجم عليهم الشرطة من الباب الخلفي وتعتقلهم، فكان درساً جديداً في الغباء؛ لأنهم ارتكبوا خطأين!
مشكلة الأغبياء أنهم يورطونك. ولذا لا مجاملات مع الأغبياء. مكانهم في مهام محددة في فريق العمل. وهذا ما يبرر حب المسؤولين للأذكياء؛ لكن لا مبرر للتعلق بالأغبياء. يقول الأديب نجيب محفوظ: «ليس عيباً أن تقع في حب إنسان لا يصلح للحب، ولكن الغباء أن تستمر في حبه». وهناك بالفعل من يخلط بين عاطفة محبة الصديق، وبين توليه مهام حساسة في شركة أو إدارة أو وزارة.
والذكاء نوعان، حسب «نظرية المهارات»: البيولوجي، المتعارف عليه، الذي يضمر مع تقدم العمر، والآخر الذي تصقله الخبرات العملية والحياتية، فهو يستمر. وهذا ما يجعل بعض القياديين الذين يتحلون بصفات فذة يبقون ملهمين ومراجع مهمة؛ لأن خبراتهم هذه قد تراكمت وترسخت على مر السنين، الأمر الذي يفسر لماذا يتوجه الناس والمؤسسات لأصحاب الخبرات للحصول على الاستشارات اللازمة.
والعمل مع الأذكياء يخلف شواهد تستحق الإعجاب والاحترام. أما الغبي فيأبى إلا أن يترك أثراً يدل على مدى حماقته. ولذا فإن زملاءه في ورطة دائمة. وإن اعتذر زاد الطين بلة أحياناً. فينطبق عليه المثل الفارسي: «اعتذار المغفل أسوأ من خطاياه».
ولنكن منصفين، وبعيدين عن المثالية. فأحياناً ننسى الهدف الأساسي من عملنا، فلا ندقق في عناصر فريق العمل وأهدافنا، وتشغلنا الفرعيات عن غايتنا المنشودة. فينطبق علينا «نحن» قول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه: «نسيان الغاية هو أكثر أنواع الغباء شيوعاً».
وليس كل الغباء مذموماً. فهناك من يتظاهر بالغباء ليخفي خلف «تغافله» شعلة من الذكاء الوقاد. وهذا يختلف اختلافاً جذرياً عن الغباء اللامتناهي. وصدق أينشتاين حينما قال: «شيئان ليس لهما حدود، الكون والغباء البشري!».