عبدالله بن بجاد العتيبي
كاتب سعودي مهتم بالحركات الإسلامية والتغيرات في الدول العربية، وله عدة مؤلفات حول ذلك منها «ضد الربيع العربي» وله أبحاث منها: «القابلية للعنف والقيم البدوية»، نشر في 2006. و«السرورية» 2007. و«الولاء والبراء، آيديولوجية المعارضة السياسية في الإسلام» 2007. و«الإخوان المسلمون والسعودية الهجرة والعلاقة» 2010. قدم عدداً من الأوراق البحثية للعديد من مراكز الدراسات والصحف. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات، وهو خريج جامعة المقاصد في بيروت في تخصص الدراسات الإسلامية.
TT

«أوروبا الجديدة» و«الشعب الجبار»

«الشرق الأوسط هو أوروبا الجديدة، وأعتقد أن هذا الهدف سيتحقق 100 في المائة»... بهذه العبارة الكاشفة تحدث ولي العهد السعودي في «مبادرة مستقبل الاستثمار»، الذي انعقد في الرياض الأسبوع الماضي، شارحاً إحدى أفكاره المستقبلية ورؤاه الاستشرافية لمنطقة الشرق الأوسط.
هذا الخطاب موجهٌ للعالم بأسره، ولجمهورٍ من نخبة المستثمرين والسياسيين من شتى أرجاء العالم، وربما يستغرب البعض من ضخامة الحلم وصعوبة التحديات التي ستواجهه، ولهم الحق في ذلك، وللتذكير، فقد استغرب السعوديون من قبل كثيراً من أحلام ولي العهد منذ سنواتٍ قليلة مضت، ظنّ البعض أنها المستحيل بعينه، ولكننا بدأنا نراها رأي العين ونشاهد تطوّرها يوماً بعد يومٍ، إنه رجل يقرن القول بالفعل، في تحدٍ نادرٍ للزمان والمكان والصعوبات، ينجح فيه دائماً.
وتحدّث الأمير بكل ثقة عن «الشعب السعودي الجبار والعظيم» الذي يرى نفسه واحداً منهم ويقوى معهم وبهم، وهم يبادلونه حلماً بحلمٍ، وثقة بثقة، ويعقدون عليه الآمال العراض التي تنقلهم قفزاتٍ في سلم التنمية ومدارج الحضارة، لأنهم رأوا عياناً بياناً كيف يخلص في بناء الرؤى، ويضني نفسه في العمل والإنجاز، ويحول المستحيل لواقع معيش.
لم يعرف السعوديون من قبل قائداً يسعى بجدٍ واجتهادٍ لتنويع حقيقي في الاقتصاد، لا يبتعد عن النفط إلا بقدر ما يفعّل من فرصٍ جديدة ويستغل من موارد كانت مهملة، ويتحدث بالأرقام حديث العارف الخبير، ويطلب ألا يصدقه أحدٌ بل يصدّقوا الأرقام فالأرقام لا تكذب.
عند السعوديين وعند المتابعين من غيرهم للتجربة السعودية الجديدة، فقد جاء كل جديدٍ عظيمٍ وغير مسبوقٍ على يد الأمير الشاب الطموح، لم يعرفوا من قبل رؤية تمتد لخمسة عشر عاماً في المستقبل «رؤية 2030»، ولم يعرفوا برامج مساندة لها مثل «برنامج التحول الوطني 2020» وبرنامج «جودة الحياة» وبرنامج «التوازن المالي» وبرنامج «حساب المواطن» وغيرها كثير، إنه الأخذ بزمام التنمية بكل جدية وتخطيطٍ وعملٍ دؤوب.
لقد تعرّف السعوديون مع الأمير على دولة الحزم والعزم، على السعودية الجديدة والمجيدة، تلك التي تقود من الأمام، وتعبر عن قوتها وهيبتها وإمكاناتها بكل وضوحٍ، كما يليق بدولة كبرى ومحورية في المنطقة والعالم، وهو ما يعزز صناعة الافتخار والاعتزاز بالوطن، ويرسخ التفاني لصناعة المستقبل، ويثبّت العمل والإنجاز مساراً لاحباً لغدٍ أفضل.
السعودية اليوم هي اللاعب الأول في مواجهة النظام الإيراني، ناشر «استقرار الفوضى» وداعم «الطائفية» ومرسخ «الإرهاب» في المنطقة والعالم، وهي اللاعب الأقوى في مواجهة «الإرهاب» على كافة المستويات، الفكرية والسياسية والأمنية والعسكرية، في واحدٍ من أكثر الملفات الدولية خطراً على البشرية جمعاء، وهي اللاعب الأهم في مواجهة «التطرف» مهد الإرهاب وبيئته الحاضنة ومنبعه وأصله، بتصنيفها لجماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة «الإخوان المسلمين» جماعة إرهابية، في الداخل والخارج.
هذا غيضٌ من فيضٍ لشرح لماذا يحب الشعب السعودي هذا القائد الشاب؟ ولماذا يتعلق به وبرؤاه وأحلامه الكبار؟ إنه من القادة القلائل عبر الزمان والمكان القادرين على تغيير دفة التاريخ وتعديل مساره وإصلاح أخطائه، ومن هنا فليس أصدق مما صرّح به الأمير تركي الفيصل لصحيفة «واشنطن بوست» من أن «شعب المملكة راضٍ عن قيادته ومحمد بن سلمان أصبح أكثر شعبية لدى السعوديين».
«الشعبية الجارفة» و«المحبة الصادقة» للأمير محمد بن سلمان من أهم «عناوين المرحلة» في السعودية، واستهدافه شخصياً هو استهدافٌ لرؤيته ومشروعه الكبير للسعودية وللمنطقة، والعشرين مليوناً الذين قال يوماً «أنا من دونهم لا شيء» يرون أنفسهم - قولاً وفعلاً - لا شيء من دونه، هذا التلاحم وهذا الانصهار في المشروع والرؤية بين القائد والشعب أقوى الضمانات أمام كل التحديات مهما نفخ في كيرها الأعداء والخصوم، ومهما استخدموا من حقدٍ وكراهية، وكذبٍ وتزويرٍ، وأخبار زائفة.
قضية خاشقجي أصبحت في مسارها للحل القضائي عبر مسار العدالة والتحقيق الجنائي بقيادة النيابة السعودية، والدولة السعودية لم يعرف لها أي موقفٍ عبر تاريخها الطويل في تتبع الأشخاص «المعارضين»، بل على العكس لقد كانت تكرّم بعضهم حين يحتاجها في أواخر عمره، وتعفو عن أي شخصٍ يطلب العودة لوطنه، هذا حديث التاريخ والشواهد كثيرة.
أمرٌ مهمٌ ينبغي الانتباه له، وهو أن البعض، وبسبب الهجوم الإعلامي الجائر على السعودية وقيادتها، أصبح يسائل العالم ودوله وساسته عن الصمت المطبق عن سياسات إيران لنشر استقرار الفوضى والتخريب والإرهاب، وعن سياسات نظام الأسد الذي أباد شعبه بكل أنواع القوات المسلحة من دبابات وطائرات وصواريخ وأسلحة كيماوية محظورة دولياً، ومع صدق المحاججة، فإنه لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال، وتحت أي مقياسٍ، مقارنة السعودية بهذه الأنظمة الديكتاتورية الدموية.
تمتلك السعودية «قوة ناعمة» كبيرة ومؤثرة، في مكانتها الروحية في العالم الإسلامي، وفي سياساتها الداعمة لاستقرار الدول، ودبلوماسيتها الرشيقة، وثقافتها المتعددة، وعراقة تقاليدها الإسلامية والعربية، وكذلك في اقتصادها المتين وعلاقاتها التجارية، وفي الكثير من المجالات الأخرى، لكن وعلى طريقة «ربّ ضارة نافعة» فبعد هذه الهجمة الظالمة والجائرة على السعودية، قد تحتاج السعودية لتعزيز قوتها الناعمة وتوسيعها ونشرها دولياً بشتى السبل وأفضل الطرق، وذلك للتأثير في المحايدين حول العالم، الذين لا يعرفون الكثير عن السعودية الجديدة، أما الأعداء والخصوم فتلك قصة أخرى.
الصفقات المليارية التي تمّت خلال أيامٍ ثلاثة في «مبادرة مستقبل الاستثمار»، وإقالة بعض كبرى الشركات الدولية لرؤسائها، والاعتذارات التي قدمتها، ومواقف بعض الدول الغربية تجاه صفقات السلاح مع السعودية مثل أميركا وفرنسا وإسبانيا، كلها مؤشراتٌ على أن الهجمات الإعلامية المغرضة لا يمكن أن تزيح العقلانية، أو تهزم الواقعية السياسية، أو تسقط المصالح الكبرى بين الدول.
أخيراً، كأنما كان هنري كيسنجر ينظر من خلال سجف الغيب لولي العهد السعودي وللسعودية الجديدة ولفكرة «الشرق الأوسط هو أوروبا الجديدة» وهو يكتب: «يجب على أميركا أن تعمل على استقطار فهمٍ مشتركٍ مع بلدٍ (السعودية) هو الجائزة المحورية الأخيرة المستهدفة من قبل كلٍ من صيغتي الجهاد السنية والشيعية على حدٍ سواء، بلدٍ ستكون جهوده ومساعيه... أساسية وجوهرية في رعاية أي تطورٍ إقليمي بنّاء».
[email protected]