طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

المسكوت عنه في «مالمو»

كنت مشاركاً في اجتماع رسمي، مع عدد من كبار مبدعينا في الموسيقى والغناء والتمثيل، تناولنا تلك القضية الشائكة، وهي غياب الفن المصري عربياً؛ وصفوه بالتغييب المتعمد وليس مجرد الغياب.
طلبت الكلمة، قلت تُفتتح بعد أيام في السويد الدورة الثامنة لمهرجان «مالمو» للسينما العربية، رئيسه ومؤسسه المخرج والكاتب الفلسطيني الجذور السويدي الجنسية محمد القبلاوي، يمنح المهرجان السينما المصرية شرف أن تُصبح ضيف شرف هذه الدورة، الوفد المصري المشارك في الفعاليات هو الأكبر، وأضفت: كل الفنانين العرب توافقوا على جدارة مصر، بأن تحتل مقدمة «الكادر» في هذه الدورة، فهي السينما الأم عربياً.
قالوا إن الشارع العربي لم يعد يسمع ولا يشاهد الأغاني والأفلام المصرية، أجبت: لم يعد الفن المصري المُصدر ولا المَصدر الوحيد للفن، إلا أنه لم يتوار، يجب علينا إدراك أن الزمن الذي كانوا يرددون فيه: «القاهرة تكتب وبيروت تطبع والعراق تقرأ»، لم يعد هو الزمن الحالي، كل دولة عربية صار من حقها أيضاً ممارسة الكتابة بكل تنويعاتها الدلالية، علينا أن نُسكت تماماً هذا الصوت الذي يتكرر بين الحين والآخر، رافعاً شعار أغلقوا الأبواب أو على الأقل واربوها أمام الفنان العربي.
إذا كنا حريصين أن تظل مصر هي «هوليوود الشرق»، فإن علينا بالمقابل التزامات واجبة السداد، أهمها فتح الباب على مصراعيه، ولا ننسى، أن المطرب والممثل العربي عندما يأتي لمصر كثيراً ما يغني ويمثل باللهجة المصرية، أي أنه يُسهم في ذيوع اللهجة والنغمة، تذكروا كم مرة غنى بالمصرية حسين الجسمي ونانسي عجرم وإليسا وهيفاء وسميرة ولطيفة وغيرهم. علينا أن نُمزق تلك الصفحة المؤلمة، عندما حدث خلاف كُروي بين مصر والجزائر، قبل أكثر من 10 سنوات، وجدت نقابة الموسيقيين تُصدر قراراً عشوائياً بمنع أغاني وردة، رغم أنها أكثر مطربة عربية غنت باللهجة والأنغام المصرية، حتى في تعاملها اليومي لم تكن تتحدث سوى بالمصرية.
مصر عبر التاريخ ترحب بأي فنان عربي قادم، على شرط أن يمتلك الموهبة، والفنان العربي في المقابل يجد نفسه وقد تضاعفت شهرته، قارنوا بين المطرب كاظم الساهر قبل أن تطأ قدمه القاهرة، وبعد أن غنى على أرضها. لم يسأل أحد على أرض «المحروسة» ما هو جواز سفر كاظم؟ ما يستوقف المصريين أنه صاحب موهبة، هذا هو جواز السفر الذي يدخل به الفنان العربي قلوب المصريين قبل أرضهم.
نانسي عجرم، على سبيل المثال، تحقق انطلاقها في مصر، بكلمات وألحان مصرية، حتى أن الكاتب المصري الساخر الكبير الراحل أحمد رجب أطلق تعبيراً بات شائعاً في الأوساط العربية وهو «اللهم عجرم نساءنا»!
ويبقي ماثلاً أمامي في تلك اللحظة ما يتردد بين السينمائيين العرب مؤخراً في «مالمو» عن سبب عدم وجود الفيلم والمسلسل العربي في الشارع المصري، مثلما يعرض الفيلم والمسلسل المصري على الشاشات العربية، هذا الأمر نحيله أساساً لثقافة التعاطي مع الفنون، الشارع المصري مثلاً لا يَعرض خارج نطاق السينما المصرية سوى الفيلم الأميركي، يجب أن يتعود الجمهور أولاً على اللهجات العربية من خلال الأغنية والمسلسل والفيلم، مثلما يتعامل ببساطة الآن مع اللهجة اللبنانية، بسبب ذيوع وانتشار ألحان وكلمات الأخوين عاصي ومنصور الرحباني، ومن بعدهما زياد على حنجرة «جارة القمر». على الجميع خلق هذا التراكم في «هوليود الشرق» إذا أردنا حقاً أن تظل «هوليود الشرق»!