حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

نفطيات!

توقع الكثيرون أن «تنهار» أسعار النفط بعد تغريدة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي عبر فيها عن استيائه من ارتفاع الأسعار، وهدد دول «الأوبك» قائلاً إنها يجب أن تخفض الأسعار، وكرر ذلك في خطابين بعد ذلك.
ولكن هذا لم يحدث، بل الذي حدث هو العكس تماماً، حيث قفزت الأسعار بشكل سريع ومذهل لتكسر حاجز الخمسة وثمانين دولاراً للبرميل الواحد، مع توقعات بقرب وصولها للتسعين دولاراً. فما الذي حصل؟ الذي حصل هو أن أميركا بات لديها اكتفاء ذاتي من النفط، سواء التقليدي أو الصخري، بل وتحولت إلى دولة مصدرة للنفط، وحصة وارداتها من دول «أوبك» باتت هامشية بالكاد تذكر، وبالتالي كلما ارتفع سعر النفط زاد مدخول شركات النفط العملاقة، والتي تشكل الشركات الأميركية ثقلاً مهماً فيها، وعاد ذلك بارتفاع العوائد الضريبية في الخزانة الأميركية.
وكذلك لا يجب نسيان أن هذه النوعية من التصريحات متناسبة تماماً مع الخطاب الشعبوي في فترة الانتخابات البرلمانية هذا الشهر في الولايات المتحدة.
سياسة أميركا النفطية تغيرت، فاليوم هي مهتمة بشكل أساسي بأن تتأكد أن عوائد النفط ستستخدم للتنمية وليس للإنفاق على التوسعات السياسية المريبة أو البرامج الداعمة للأعمال الإرهابية، وسلاحها لكبح هذا الجماح الموتور هو العقوبات الاقتصادية الحادة. وقد قامت الولايات المتحدة بذلك ضد إيران والعراق وليبيا، وبعدها وسعت الدائرة لتشمل روسيا وفنزويلا.. وكل هذه الدول لديها «تجاوزات» بحق استخدام عوائد نفطها بأسلوب بات يهدد الأمن الوطني والسلم الأهلي العام، وعليه كان لا بد من «الحد» منها أو «التضييق» عليها بشكل عملي وفعال ومؤثر وفوري.
وهناك هدف آخر لا يقل أهمية ويتعلق بمسألة «استراتيجية» في منظومة الأمن الوطني الأميركي، وهو الإبقاء على سعر مرتفع للنفط وتعطيل حصص لإيران وفنزويلا والعراق وليبيا، وبالتالي فإن تقليل وفرته في السوق سيقلل من إمكانية تمتع المنافس الاقتصادي الأهم لأميركا، وهي الصين، من أن تنال متسعاً من التنفس والحراك براحة وثقة وطمأنينة دون تكلفة باهظة ومرهقة. وهذا هو الذي يفسر الدخول الصيني المكثف في إيران وفنزويلا ودول أخرى لتسيطر على منافذ ومنابع النفط «الممكنة» والخارجة عن السيطرة الأميركية.
السياسة الأميركية وعلاقتها بالنفط تغيرت تماماً وكذلك اقتصادات السلعة، وليس هناك أدل على ذلك من استمرار صعود الدولار مع العملات الأخرى، وصعود مؤشرات البورصة الأميركية وهما اللذان كانا يهبطان مع أي صعود كبير لسلعة النفط.
تصريح الرئيس الأميركي بخصوص أسعار النفط هو في رأيي للاستهلاك المحلي الشعبي الانتخابي البحت، وليس هناك أبلغ من تفاعل سوق النفط مع ذلك والنهم العميق لأبعاد التعليقات الرئاسية إلا بالصعود السعري الكبير.
النفط كسلعة تغير دوره ولن يسمح المجتمع الدولي بأن تكون عوائده لزعزعة الاستقرار العام في العالم إلا ووجه بعصا العقوبات الغليظة واسألوا من تضرر من هذا الأمر ليؤكدوا لكم ذلك.
النفط سيواصل صعوده لأن «العوامل» المؤيدة لأسباب الصعود أقوى من العرض والطلب الظاهري للسلعة. والشتاء على الأبواب، وهذا وحده، طبيعياً، سبب لأن ترتفع الأسعار بشدة مع دخوله. موسم نفطي مثير بامتياز على ما يبدو.