حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

سياسات الهوية

فرانسيس فوكوياما، الكاتب الأميركي الذائع الصيت الذي يرجع إلى أصول يابانية، هو صاحب المؤلف الأشهر باسم «نهاية التاريخ والرجل الأخير»، والذي كان يحتفل فيه بسقوط الشيوعية وانهيار سور برلين وانتصار المعسكر الغربي بعقيدته الليبرالية والرأسمالية والحريات التي تأتي معها.
كان ذلك الكتاب الأهم في تلك الفترة، وإن كان نال قسطاً لا بأس به من النقد لمبالغته في تصوير سقوط الشيوعية بأنها نهاية التاريخ. وقد تحدثت معه في هذه النقطة تحديداً خلال لقاء جمعني به ضمن المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد بمدنية دافوس في جبال الألب السويسرية. والآن ها هو فوكوياما يأتي بكتاب مهم وجديد آخر بعنوان مثير وهو «الهوية: مطلب الكرامة وسياسات العداء»، يناقش فيه الكاتب الصعود المخيف والكبير للسياسات التي تغطي الهوية في العقائد السياسية والهوية الدينية والعرقية والمذهبية والمناطقية والقبلية، وهي الأنماط التي أخذت حيزاً خطيراً من المساحة الموجودة في الرأي العام على حساب معانٍ سامية مثل المساواة والحقوق الواحدة والمواطنة السوية.
هذا الوضع من وجهة نظر الكاتب منح ترسانة من الذخيرة للمتطرفين في توجيه حملاتهم لما بات يعرف بالتأميم الوطني الاقتصادي الشعبوي؛ حملات عاطفية باسم الوطنية باتت تتحول إلى ما يشبه الجرافة الموتورة، تدمر كل ما يقف في طريقها، وبالتالي يربط المؤلف بين الحالة العاطفية للعنصرية والتمييز الاجتماعي الذي تحدثه والضرر الذي تسببه على السوية والسلام الأهلي العام، ويربطها بالاضطراب والتدهور الاقتصادي الذي سيصاحب ذلك الأمر.
ولا يكتفي المؤلف بذلك ولكنه يرفع رايات التحذير ملوحاً بأن الموضوع له علاقة مباشرة بالكرامة الإنسانية التي لا تقبل وبالفطرة أن تتعرض للإهانة والتمييز ضدها، وبالتالي إذا سمح للقطيع المتهور والمتطرف أن ينقاد خلف الشعارات الموتورة فسيكون هناك المزيد من جيوب التوتر والاقتتال في العالم.
عربياً كان أهم من كتب عن مسألة الهوية كل من أمين معلوف في كتابه المهم «هويات قاتلة» الذي شرح فيه كيف «تشكلت» هويته الثرية عن طريق مكونات كبيرة وكثيرة متعددة جعلته من هو اليوم. والثاني كان المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد في كتابه الشهير «خارج المكان» الذي شرح فيه تموجه بين هويات متعددة ومختلفة جعلته في النهاية ينظر للأمور بشكل أوسع وأرقى وأعمق، وهي مسألة لا يمكن أن يفهمها «العنصري» الذي اعتاد وتربى على تعريف الهوية من منظور ضيق جداً ومحدود للغاية، مما ينمي لديه روح «الانتماء» الفوري والمباشر لمن ينتمون معه إلى نفس العقلية المنفرة التي ترفض مجاميع أخرى، وهي تعتقد أنها لا تشبهها في أي شيء.
لا يترك فوكوياما الأمر عند التشريح الدقيق لمعضلة الهوية في عوالم السياسة الاجتماعية والاقتصادية اليوم، ولكنه يحاول جاهداً تقديم مقترحات نبيلة لصالح المجتمع الدولي، وذلك عبر تبنيه لسلسلة من الأفكار التي تعيد تعريف الهوية من منظور أوسع وأعمق وأشمل لتكون مجمعة وغير مفرقة لأكبر قدر من الناس من ناحية العدد، وذلك لضمان وتأمين المجال لأن تعمل الديمقراطية والليبرالية بشكل مؤثر وفعال لأجل الجميع.
كتاب فوكوياما الأخير مهم جداً لأنه يتطرق لمأساة معيبة صنعتها الكراهية.