علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

خطير جداً

في عالمنا العربي تحدث المتناقضات، فنحن نبحث عن رأس المال الأجنبي ونرغب في أن يستثمر لدينا ونحاول سن القوانين لتهيئة بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي ومع ذلك يكون أشخاص أو مسؤولون ضد هذا الاستثمار بغية الحصول على مكاسب لجيوبهم بعيداً عن مصلحة الوطن، ولن نذهب بعيداً فالمثل واضح تماماً، فحينما يستوقف القضاء المصري علاء وجمال أبناء الرئيس الأسبق حسني مبارك بتهمة التلاعب في البورصة ومن المعروف أن القضاء المصري لا يمكن أن يوجه تهمة إلا عندما تتوفر القرائن والأدلة على وقوعها.
ومما جعل الأمر خطيراً أن جمال مبارك كان في عهد أبيه رجلاً نافذاً وقريباً من رجال المال والأعمال المصريين والأجانب، وهو مؤثر في السلطة وسن القوانين. فإذا كان رجلاً مؤثراً ويسن القوانين ويتلاعب في البورصة فكيف سيحضر المستثمر الأجنبي؟ وكيف ينمو الاقتصاد؟ لأن الاقتصاد سيتوجه فقط لجيب واحد، وهنا تكمن الخطورة إذ إن متخذ القرار سيصبح متحيزاً لمصالحه وهو ما يخلط قواعد السوق، إذ إن لكل سوق قواعد أساسية يسير عليها ويمكن للمحللين قراءتها، وأنا هنا أتحدث عن جميع الأسواق، سوق أسهم، سوق عقار، سوق خضراوات، أي سوق.
فإذا تدخل السياسي فإنه يستطيع بقراراته أن يحرف السوق عن قواعدها ويخرجها عن مسارها لبعض الوقت ولكن المتعاملين سيعرفون اللعبة وسيخرجون من السوق ليبحثوا عن سوق أخرى تمثل أماناً لرؤوس أموالهم، فرأس المال ذكي ويرفض الارتهان بيد السياسي غير العادل الذي يبحث عن مصالحه فقط مغفلاً مصلحة البلاد العليا.
وللأسف فإن هذا المرض ليس حكراً على مصر، وإنما هو متفشٍ في عالمنا العربي وأذكر ذات مرة أنني كنت وعائلتي في رحلة إلى سوريا فذهبت إلى اللاذقية المطلة على البحر الأبيض ومن جمال شاطئها يسمونه بالشاطئ الأزرق، وهو شاطئ بالفعل جميل، المهم أنني رأيت منتجعاً فخماً على هذا الشاطئ الجميل، فاتجهت إليه ممنياً نفسي أن أجد سكناً لي ولعائلتي فيه، حينما وصلت إلى البوابة وتحدثت مع حارس المنتجع طالباً منه أن يفتح لي البوابة لأدخل المنتجع، قال لي الحارس إن العمل لم يبدأ بالمنتجع سألته ألم يكتمل المنتجع؟ فقال بلى ولكنه لم يعمل وحاول التمنع بالإجابة.
المهم أنني انصرفت عنه وبدأت أبحث سر هذا المنتجع المكتمل الذي لا يعمل، فعرفت من أهل المدينة أن المنتجع لمستثمر سعودي غامر بماله راجياً المكسب ولكنه حينما حاول إخراج التصاريح النهائية للمنتجع وجد أن النافذين يطلبون رشوة أكبر من المكاسب المتوقعة للمشروع فاختار أن يقفل مشروعه حتى يفرجها الله، ولكن قامت الحرب ولا أعرف ماذا حصل لمستثمرنا الذي حاول أن يستثمر في بلد عربي ليخلق وظائف لأبناء هذا المجتمع ولكنه اصطدم بمن يفضل مصلحة جيبه على مصلحة بلاده. فإلى متى سيظل عالمنا العربي على هذه الحال؟