خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

الفكاهة والسخرية

من الأسئلة التي تخطر على أذهان المتعلمين، الفرق بين السخرية والفكاهة. كثيراً ما سألني الناس عن هذا الموضوع. وهو سؤال وجيه يصعب أن تجد له جواباً حتى في القواميس والموسوعات. ولكن الكوميدي الروسي، زادورنوف أعطانا مقياساً طريفاً في معرفة الفرق بينهما. قال: الفكاهة هي أن تضحك على رجل تزحلق وسقط على الأرض. أما السخرية فهي أن تضحك على الرجل الذي تسبب بسقوطه. هذا هو ما يعطي السخرية تميزها على الفكاهة ويحولها إلى ضرب من الفلسفة.
يقابل زادورنوف الرسام الكاريكاتيري الروسي يفيموف. وسبق أن أشرت إليه في مقالاتي السابقة. مثل كلاهما روح الفكاهة والسخرية الروسية، كل في ميدانه. لقد عاش يفيموف وأنتج جل أعماله على امتداد العهد السوفياتي منذ أيام لينين. أما زادورنوف فقد لمع نجمه في عصر غورباتشوف، عندما فتحت السلطات السوفياتية بعض الأبواب والشبابيك لأصحاب النكتة والفكاهة والسخرية فتألق نجمه كمسرحي كوميدي، وقد مثل تماماً روح السخرية كما أشار إليها.
لم تعد النكتة عملاً سرياً يمارسه الناس في الخفاء، بل راحوا يسمعونها من الراديو والتلفزيون والمسرح ويستغرقون في الضحك على حكومتهم ونظامها الفاشل. لا أدري، ربما سيقول البعض منهم إنها أسهمت في إسقاط ذلك النظام.
استغل زادورنوف الانفتاح الغورباتشوفي للسخرية من بيروقراطية النظام وسوء تخطيطه. قال مرة لجمهوره: إنك تذهب إلى فندق فتدخل فيه إلى الحمام وتنزع ملابسك لتستحم فتجد أن مفتاح النور في الصالون ومفتاح الدوش في الممر ومرآة الحلاقة في مستوى الصدر. وفي فندق آخر، حاول أن يكوي ملابسه فوجد أن المكواة في الطابق الثاني ومنضدة الكي في الطابق الخامس وغطاء المنضدة في الطابق التاسع. تنظر فتجد أمامك لوحة تقول: «تفادياً للحريق، لا يجوز نقل هذه المعدات من الطابق الموجودة فيه»!
ويصعب أحيانا علينا أن نتذوق بعض النكات السوفياتية. روى مثلاً زادورنوف أنه ذهب إلى مدينة سليخار فوجد أن أقفال مراحيض الفندق الذي حل فيه موضوعة على الباب من الخارج! لا نضحك كثيراً على هذه النكتة ونعتبرها إشارة إلى حماقة النجار. أما المواطنون السوفيات فيرون فيها تلميحاً إلى إصرار الحكومة على السيطرة على المواطن؛ حتى قفل باب المرحاض وفتحه ينبغي أن تقوم به الحكومة.
بلغت شعبية زادورنوف أن بعض عروضه المسرحية تحولت إلى مظاهرة. ولحقه الجمهور ليشكره على التنفيس عن شجونهم. كثيراً ما فعلوا ذلك والدموع في أعينهم. يقولون له: «انظر كنا نضحك والآن نبكي». فيجيبهم «أما وقد ضحكتم من أعماقكم فهذا يعني أنكم بدأتم تفهمون أحوالكم. ولهذا تبكون».
سأله أحدهم يوماً: «كيف تعمل هنا، ومتى سيسجنونك»؟ فأجابه: «لا تقلق على ذلك. سيكون عليهم أن يسجنوا جميع المستمعين الذين ضحكوا».
يقال إن جمهور المسرح انقطع عن الضحك لنحو نصف ساعة.