طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

إجابات من «الكتالوج»!

«أقرأ حالياً عشرات من الأعمال الفنية المعروضة عليَّ، ولكني في الحقيقة لم أجد ما يحركني ويدفعني إلى مغادرة منزلي والذهاب مجددا للاستوديو. أشعر أن الجمهور يحمّلني مسؤولية كبيرة في الاختيار، ولن أخذلهم أبداً».
هل أطل مثلاً هذا الفنان من شرفة منزله ووجدهم بالملايين يقفون على الباب هاتفين باسمه؟! إنها واحدة من الإجابات المحفوظة التي يكررها النجم عندما يستشعر بدايات الأفول وتضاؤل الأعمال المعروضة عليه، فلا بأس من استخدام هذا (الكليشيه) الذي لا يمل من تصديره للناس.
وإليكم إجابة أخرى لنجم يعيش في مأزق مغاير، حيث لا أحد يعرض عليه البطولة المطلقة، بينما زملاؤه صاروا نجوماً تتصدر أسماؤهم (الأفيشات) و(التترات)، فلا يجد سوى أن يكرر تلك الكلمات وبحماس زائد: لا يعنيني ولا أفكر أبداً في البطولة المطلقة، ما أحلاها عندما تُصبح جماعية، أسقطت من حساباتي تماماً انتظارها -يقصد طبعاً البطولة المطلقة- حتى لو جاءتني سأقول لها «أخطأتِ في العنوان».
وللإجابة عن سؤال آخر، ستجد هذه الكلمات: «لا أسعى لكي يُعرض مسلسلي الجديد في شهر رمضان، أنا أكره الزحام، سوف أخلق بمسلسلي القادم نفس حالة الشغف الرمضانية».
هذا هو طوق النجاة لنجم صار مسلسله خارج الخريطة الرمضانية لأسباب متعلقة بفقدانه القدرة على التسويق عند المحطات الفضائية، وكل المحاولات التي بذلها للعرض في (رمضان) باءت بالفشل، ولم يعد أمامه سوى انتظار (شوال).
نجم آخر سقط فيلمه الأخير سقوطاً مدوياً، من المؤكد سيوجّه اللوم إلى المنتج الذي لم يهتم بالدعاية اللازمة، وحرم فيلمه من الإقبال الجماهيري المرتقب، وربما يتوجه إلى أصحاب دور العرض بالعتاب أيضاً، لأنهم لم يمنحوه سوى هذا العدد المحدود من الشاشات فأثّر هذا سلباً وبالضرورة على أرقام شباك التذاكر.
هل من الممكن أن يعترض أحدهم على عمل فني شارك فيه ويشعر بعدها بالندم؟ حدث ذلك أكثر من مرة، ولكن الإحساس شيء والإعلان عنه شيء آخر، أكثر من فنان في حوار خاص يقول لي الكثير، إلا أنه يرفض تماماً الإفصاح عن رأيه، بعضهم يؤكد مثلاً أن النجم الفلاني تدخل في (المونتاج) وحذف جزءاً كبيراً من دوره، لأنه استشعر أنه يسرق منه الكاميرا، إلا أنني بعد ذلك أتابع هذا الفنان في عدد من البرامج مشيداً بالنجم الذي كان قد فتح عليه النيران قبل قليل.
لا أطلب قطعاً من الفنانين أن يقولوا على الملأ كل الحقيقة، ولكن لماذا كل هذا الفيض من التناقض، وكأنها قد صارت أسلحة للدفاع عن الوجود؟
أتذكر أن يحيى الفخراني أعلن على الملأ وقبل انتهاء عرض أحد مسلسلاته الرمضانية، أنه غير راضٍ، وأن الحلقات الأخيرة كُتبت على عجالة. اكتشف يحيى عند زيارته لإحدى الدول العربية أن هذا المسلسل تحديداً، والذي أسقطه تماماً من حساباته هو المفضل لديهم. إلا أنه -كما قال لي- لم يندم على كلمته، لأنها أفرغت غضباً كامناً في صدره.
مع الأسف أغلب الفنانين صاروا كسالى، ليس فقط لأنهم لا يقدمون أعمالاً فنية تحمل نبضاً مغايراً لما هو سائد، ولكن حتى في علاقتهم بـ(الميديا)، ينقلون إجاباتهم المتكررة من نفس (الكتالوج) فتصبح معلبة فاقدة الحضور والمصداقية، من المؤكد أنهم ينتظرون إصدار (كتالوج) جديد، ربما يجدون في كلماته إجابات أخرى، ربما!