مع تصاعد الصراع على السلطة في العاصمة الإيرانية طهران وتزايد حدّته، يبدأ مراقبو الوضع في التركيز على جماعات المعارضة الإيرانية التي يمكنها الاضطلاع بدور فيما سيحدث لاحقاً. وثمة من يقول، إنه في كل الخيارات الثلاثة المطروحة للمناقشة في الدوائر السياسية العالمية، وهي: تغيير النظام سلوكه، أو تغيير النظام، أو حدوث تغيير ما داخل النظام، ربما تساعد تلك الجماعات المعارضة في التأثير على كفة ميزان القوى بشكل ما.
وفي هذا السياق، دشّن بريان هوك، الرجل الذي عيّنه دونالد ترمب لتنسيق السياسات الخاصة بإيران، سلسلة من المشاورات مع شخصيات داخل حركة المعارضة الإيرانية، مع التأكيد على تخلي واشنطن عن سياسة باراك أوباما الداعمة للنظام الحالي في طهران، واستعدادها للعمل مع قوى أخرى للمساعدة في وضع إيران في مسار مختلف.
يعتقد قادة المعارضة الإيرانية أنه من شأن امتناع الولايات المتحدة الأميركية عن دعم النظام الحالي في طهران، فإن ثمة قوى دولية كبرى ستنأى بأنفسها عن النظام الحالي الذي يقوده «المرشد الأعلى» آية الله علي خامنئي. كذلك يعتقد هؤلاء القادة، أن «المؤسسة الخمينية» في طهران، التي تعجّ بالصراعات الطاحنة، أوشكت على استنفاد طاقتها وغدت عاجزة عن التعامل مع ما تواجهه من تحديات في الداخل والخارج. واستناداً إلى هذا التحليل، تعقد جماعات المعارضة داخل إيران وخارجها اجتماعات وحلقات نقاشية، وتنظم ورش عمل كثيرة، وتخطط لتنظيم المزيد منها خلال الأسابيع والأشهر المقبلة. ومن إحدى الحلقات النقاشية المشار إليها عُقدت أخيراً في العاصمة البريطانية لندن، حضرتها عشرات من المشاركين أفراداً ومجموعات بعنوان «الفترة الانتقالية في إيران». كذلك، ثمة كلام متزايد عن انعقاد «مؤتمر وطني» شامل من المقرّر عقده خلال الخريف لدعم حوار منظم، إن لم يكن تأسيس علاقة رسمية فعلية، بين أحزاب المعارضة وجماعاتها داخل إيران وخارجها بهدف السعي للحصول على دعم دولي أكبر من الدول الديمقراطية الغربية.
قبل بضع سنوات، أي قبل ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، كان المحلّلون يقسمون جماعات المعارضة الإيرانية إلى فئتين: من هم داخل إيران، ومن هم في المنفى. غير أن هذا التقسيم يبدو اليوم ضبابياً وقليل الدقة، ولا سيما بعدما نجح معظم جماعات معارضة المنفى في نسج علاقات موثوقة ومتينة يمكن الاعتماد عليها مع متعاطفين داخل البلاد. ولقد جرى اختبار تلك العلاقات، وتبين نجاحها إلى حد بعيد خلال أحدث انتفاضتين شعبيتين على مستوى إيران كلها في شهري ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ومارس (آذار) الماضي، حين تضاعف صدى ملايين المتظاهرين، وتعزز التنسيق بين خطواتهم من خلال نشطاء خارج إيران.
- معارضتا الداخل والخارج
نعم، لا تزال طريقة تقسيم المعارضين المذكورة قائمة، وإن كانت أهميتها بدأت تتراجع. لكن في المقابل، ثمة انقسامات أو تقسيمات أخرى ربما تقلل من نجاعة المعارضة في التصدّي للنظام الحالي. ومثالاً على ذلك، وجود فئتين: الأولى، تضم مَن ما زالوا يسعون لاستمداد جزء من شرعيتهم من الثورة عام 1979 - التي يزعمون أنه تعرّضت لـ«خيانة» من قبل من في هم السلطة حالياً - . والأخرى، هي تلك التي تضم جماعات معارضة أخرى تسند شرعيتها إلى معارضة حقيقية أو مدعاة لثورة الخميني منذ البداية. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن الصراع على الماضي ما فتئ يسبب انشقاقاً مريراً بين كثيرين من القوى المناوئة لنظام الخميني.
من جهة أخرى، هناك شكل آخر من أشكال التقسيم له – هذه المرة – جذور آيديولوجية. وفي هذا الإطار، يمكن التمييز بين ثلاثة معسكرات مختلفة:
- المعسكر الأول، يضم جميع الأحزاب والجماعات التي تصرّ على الحفاظ على الصبغة الإسلامية، واستخدام رموزها، مثل حجاب النساء أو الملابس التقليدية غير الغربية بالنسبة للرجال.
- المعسكر الثاني، يضم جماهير القوميين الإيرانيين، الذين لديهم حنين إلى الإمبراطورية الفارسية منذ 25 قرناً، ويؤكدون على هويتهم «الآريانية - الآرية». وتدعم غالبية جماعات هذا المعسكر العودة إلى النظام الملكي، رغم وجود بعض الجماعات القومية التي تدعو إلى نظام حكم جمهوري.
- المعسكر الثالث، يضم أحزاباً وجماعات تجد الإلهام في الأفكار الغربية مثل الجمهورية والعلمانية، ومجموعة من المواقف اليسارية من الديمقراطية الاجتماعية إلى الماوية.
ولقد حققت المعسكرات الثلاثة بعض النجاح في الطعن بشرعية النظام الحالي، والإبقاء على السخونة السياسية في الشارع الإيراني. كذلك نجح أفرادها وتنظيماتها في كشف صورة النظام في الخارج، ناهيك من تشويه سمعته بالفعل. بل، وقد منعت جهودهم الجماعية النظام من النجاح في تحقيق قدر ما من التطبيع الذي من دونه لا يمكن اتخاذ قرار بشأن مسألة سياسية كبيرة محلية أو دولية أو تنفيذها. لكن، مع هذا، لا بد من الاعتراف بأن أحزاب المعارضة الإيرانية وجماعاتها أخفقت حتى الآن في إنتاج مصدر بديل لسلطة معنوية وسياسية قادر على تأسيس حكم بديل جدير بالثقة.
وفي حين تنسجم وتتناغم «الرسالة» التي ترسلها الأحزاب والجماعات المعارضة بشأن رفض النظام الحالي مع آراء كثرة من الإيرانيين، وربما مع الغالبية، فإن هذه الجماعات لا تحقق سوى نجاح محدود، وبوجه خاص، عندما تواجه قياداتها وشخصياتها بالسؤال الصعب، وهو «ماذا سيحدث بعد يوم غد؟». مع هذا، في الكثير من الحالات تعوّض هذه الأحزاب والجماعات المعارضة الضآلة النسبية لأدواتها السياسية والآيديولوجية بنشاطها القوي. بل، في بعض الأحوال، تكون درجة الالتزام والتفاني والاستعداد للتضحية بالذات التي يظهرها المناضلون مذهلة.
- جماعات المعارضة الرئيسة
توجد داخل إيران راهناً مجموعة لا بأس بها من تنظيمات المعارضة السياسية، نعرضها فيما يلي:
من أبرز المجموعات مجموعة تُعرف باسم «إصلاح طلب» (طالبو الإصلاح)، لديها تاريخ من المعارضة يمتد لثلاثة عقود، وعانى المئات من أعضائها من السجن والمنفى، وفي بعض الأحيان من مصير الاغتيال. لقد كانت استراتيجية هذه الحركة تقوم على مفهوم «التطور من الداخل»، الذي وضعه المنظّرون الأساسيون للحركة مثل سعيد حجاریان ومصطفى تاج زاده. وجذب ذلك الكثير من التقنوقراط، والصحافيين، والأكاديميين، وحتى السياسيون داخل النظام أو القريبون منه. مع ذلك، تفتقد الحركة حالياً زعيماً معروفاً، وتتبنى موقفاً رافضاً تماماً للثورة ونتائجها بحسب اعتقاد الكثير من المحللين.
- إسلاميون ويساريون
وهناك عدد من الجماعات والأحزاب الإسلامية والماركسية، التي ولدت من رحم الثورة، غير أنها سرعان ما انقلبت عليها، وأكبرها منظمة «مجاهدين خلق»، التي تتخذ اليوم مقراً لها بالقرب من العاصمة الفرنسية باريس، كما أنها تحتفظ لها بقاعدة للعمليات في بلدة مانيز بألبانيا. ولقد حظيت «مجاهدين خلق» بقدر كبير من الدعم الدولي من مختلف ألوان الطيف السياسي، وكان من بين أبرز مؤيديها شخصيات مثل جون بولتون، مستشار الأمن القومي الحالي للرئيس الأميركي دونالد ترمب، وبرنار كوشنير، وزير الخارجية الفرنسي السابق. وكان من قادة الحركة البارزين مسعود رجوي، الرجل الذي انشق عن الخميني وانتقل إلى فرنسا عام 1981. وراهناً يرأس المنظمة مريم عضدانلو رجوي، الزوجة الثالثة لرجوي، التي اختارتها المنظمة لتكون الرئيسة القادمة للجمهورية الإيرانية المستقبلية.
جماعة أخرى كانت منضمة إلى الثورة في السابق، وهي تعارض النظام حالياً هي منظمة «فدائيي خلق». هذه المنظمة ذات توجه ماركسي - لينيني انشقت إلى فصيلين، أحدهما ما زال داعماً للنظام يقوده فرّوخ نغهدار المقيم في لندن. وأيضاً، تنتمي إلى المعسكر الذي كان مؤيداً للخميني، لكنه يعارضه حالياً، «الجبهة الوطنية الإيرانية» التي انشقت عن النظام الخميني عام 1982 لتعود إلى جذورها قوةً سياسية تواصل السير على خطى الدكتور محمد مصدّق، وهي اليوم تحت قيادة الدكتور حسين موسويان، والمتحدث باسمها هو هرميداس باوند. هذا، وأنشأت هذه الجبهة ما يسمى بـ«مجلس النخبة الإيرانية»، ودخلت في تحالف غير رسمي مع «الحركة الوطنية الإيرانية»، وهي جماعة أسسها مهدي بازركان، أول رئيس حكومة في عهد الخميني. ويقود الحركة حالياً عبد العلي بازركان، شقيق رئيس الوزراء السابق الراحل. كذلك، انشق حزب «توده» (الجماهير الشعبية) الشيوعي عن نظام الخميني الذي كان يؤيده في البداية، وهو يحاول اليوم ارتداء ثوب ديمقراطي اجتماعي أقرب إلى اليسار الأوروبي الغربي منه إلى الشيوعية السوفياتية البائدة. ثم هناك ستة أحزاب شيوعية أخرى بأسماء مختلفة موجود معظمها في كندا والسويد، وشاركت لسنوات في مباحثات هدفها توحيد صفوفها لتشكيل حركة شعبية واسعة النطاق.
- قوى اليمين
أما على يمين الطيف السياسي فهناك «الوحدة من أجل الديمقراطية في إيران» بقيادة جواد خادم، وهو رجل أعمال ووزير سابق في آخر حكومات عهد الشاه. ولدى الجماعة حنين إلى الفترة القصيرة التي تولى فيها شابور بختيار رئاسة الوزراء وعلاقته التاريخية بمصدّق. كذلك، يوجد في المعسكر اليميني حزبان قوميان، هما «بان إيرانيست»، الذي أسسه محسن بزشكبور، وحزب «الأمة الإيراني»، الذي أسسه داريوش فروهر، وزير العمل في أول حكومة في عهد الخميني. ويؤيد الحزبان حالياً تغيير النظام، ويقتربان من الجماعات الداعية إلى الملكية. وتدعو مجموعة من أحزاب وجماعات تيار يمين الوسط إلى إنشاء نظام حكم جمهوري علماني في إيران، وأكثرها نشاطاً هي «الحركة الإيرانية للجمهوريين العلمانيين» بقيادة الناقد الأدبي إسماعيل نوري علاء، وعالم السياسة حسن اعتمادي.
ولكن تهيمن على الجزء من المعارضة، الذي كان معادياً للثورة الإسلامية منذ البداية، الجماعات الملكية التي انقسمت على أساس اختلافات آيديولوجية وسياسية كثيرة، وأكثرها رسمية هي ما يُطلق عليه «المجلس الوطني لإيران»، الذي أسسه رضا محمد بهلوي، ولي العهد وريث العرش الإيراني. ويقول بهلوي، إنه على استعداد لتولي منصب الملك، لكنه سيترك القرار الخاص بشكل نظام الحكم إلى الشعب من خلال استفتاء شعبي. وهناك جماعة أخرى هي «حركة مؤيدي الملكية البرلمانية»، التي تدعو إلى استعادة الحكم الملكي على أساس دستور 1906. للجماعة هيكل قيادي جماعي من أعضائه الباحث البارز ناصر انتقاء وناصر ميمند، القائد السابق في البحرية.
كذلك، يوجد في المعسكر المؤيد للملكية الحزب الدستوري الإيراني، الذي يطرح نفسه حزباً ديمقراطياً ليبرالياً، وكان قد أسس عام 1994 على أيدي داريوش همايون، وزير الإعلام السابق، ويرأسه حالياً خسرو بيت الله والأستاذ شاهين فاطمي. ثم هناك جماعة نشطة أخرى هي «الجبهة الديمقراطية للملكية الدستورية» بقيادة أسد الله نصر أصفهاني، وزير الداخلية الأسبق. والواقع أنه ليس من السهل قياس القوة الحقيقية للحركة المؤيدة للحكم الملكي؛ لأن مؤيدي استعادة النظام الملكي منظمون في جماعات متعددة داخل وخارج إيران، ولا تربطهم صلات تنظيمية رسمية، ناهيك عن غياب هيكل قيادة مركزية. ويحمي الشكل الهلامي غير المحدد تلك الجماعات من حملات التنكيل التي يشنّها النظام، لكنه في المقابل يمنعها من التأثير في أي محادثات ائتلافية مستقبلية تستهدف إقامة حكومة مؤقتة.
مع هذا، بفضل مواقع التواصل الاجتماعي، ووجود 30 محطة فضائية أو على الإنترنت على الأقل تبثّ إرسالها من أوروبا وأميركا الشمالية، نجح عدد من الأفراد في العثور على جمهور دون الحاجة إلى تكوين تنظيمات خاصة بهم. وبين هؤلاء أبو الحسن بني صدر، أول رئيس لإيران بعد ثورة الخميني، الذي يقيم في منفاه في باريس منذ عام 1981. وهناك عبد الكريم سروش، الباحث الإسلامي، الذي يقيم في المنفى لكن له متابعين في إيران، وكان قاد عام 1980 حملة تطهير الجامعات الإيرانية التي أمر بها الخميني. بدأ سروش منتقداً للنظام، وامتدت انتقاداته حالياً إلى مسألة الدين ككل. وفي وضع مماثل نجد آية الله محسن كديور، العضو السابق في المجلس الإسلامي أثناء حكم الخميني، لكنه حالياً من منتقدي النظام ويقيم في الولايات المتحدة الأميركية. هذا، وتمكّن آخرون من جذب جمهور بفضل التلفزيون، بينهم بهرام مشيري، منتقد للدين ككل، ومانوك خدابخشیان المؤيد لنظام حكم ديمقراطي علماني. وعلى اليسار نجد برویز دستمالجي، الذي أسس قاعدة جماهيرية متسعة من خلال انتقاده مفكرين إسلاميين من أمثال علي شريعتي، المعلم الروحي الشيعي لكثير من أنصار الخميني.