حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

السعودية جاهزة

تابع السعوديون بفرح وابتهاج خبر تعيين ثلاث سيدات في مناصب قيادية رئيسية في بلديات مختلفة في مدينة جدة، وهي خطوة رمزية ومهمة تأتي تباعاً لتصحيح مفاهيم وأوضاع غير سوية بالنسبة للمرأة.
سلسلة باتت معروفة من القرارات المهمة في حق المرأة السعودية؛ من تعيينات في مجلس الشورى إلى وصولها لمنصب نائب الوزير، إلى السماح لها بقيادة السيارة، إلى تعيينات في مناصب قيادية مختلفة. كانت هناك قديماً مقولة في السعودية يروج لها بخصوص عدم السماح للمرأة بقيادة السيارة، وذلك بالقول إن هذا الموضوع شأن «اجتماعي»، عندما يوافق المجتمع على هذا الموضوع سيتم السماح به. واقع الأمر مغاير لذلك والأدق أن الإرادة السياسية هي الأقوى والأكثر فاعلية في هذه النوعية من القرارات. فلو انتظرنا أن «يوافق» المجتمع لما كان لدينا اليوم تعليم للبنات ولا تلفزيون ولا إذاعة ولا ابتعاث خارجي للدراسة، لأن جميع هذه المواضيع وغيرها كان «معترضاً عليها اجتماعياً»، ولكن القرار السياسي راعى المصلحة العامة.
واليوم يوجد قرار سياسي واضح وصريح الاتجاه في السعودية، يعتمد على الطلاق التام مع حقبة الجهل والتطرف والتشدد والتنطع والعنصرية والتمييز، وفتح المجالات العادلة والسوية لجميع أفراد المجتمع، وأن تكون السعودية جزءاً فاعلاً ومؤثراً وكاملاً من المجتمع الدولي بدلاً من أن تكون عالة عليه.
ومع وضوح القرار السياسي هناك قبول اجتماعي عريض لهذا التوجه، وخصوصاً أنه يخاطب أكثر من سبعين في المائة من القاعدة السكانية للسعودية، التي تمثل جيل الشباب عماد المستقبل، هذا الجيل يعي تماماً أهمية هذا التوجه الجديد لأنه سيكسر وللأبد صندوق الخصوصية الأسود الذي كانت توأد فيه الأحلام والأماني والطموحات والآمال، وذلك بلا منطق ولا أسباب مقنعة أبداً. واليوم على ما يبدو واضحاً لكل عادل وموضوعي ومنصف متابع للشأن السعودي، أن هناك حالة قبول واستعداداً وجاهزية كبيرة لقبول قرار تعيين وزيرة سعودية في إحدى الوزارات وكذلك تعيين سفيرة في إحدى السفارات حتى يتم استكمال الخطوات بشكل حضاري ومتكامل ولإغلاق الجدل الذي يصاحب موضوع توظيف المرأة.
السعودية، بوصفها لاعبا مؤثرا على الساحة الدولية، يفتخر بمواطنيه من كل المناطق وجميع الأعمار وجميع الخلفيات، وبشقيها الرجال والنساء، تسعى لأن تعكس وجهها للعالم بهذا التنوع الثري الموجود في تركيبتها أساساً. تعيين وزيرة سعودية وسفيرة سعودية متى ما حصل فسيكون مفاجأة سارة جداً، لا صدمة ولا دهشة ولا استغراب لأن سقف التوقعات بات يسمح بهذه النوعية من التطلعات والأحلام.
ملف المرأة كان دوماً محل جدل ونقاش في قضايا العمل والتعامل في الداخل السعودي، ولقد خطت السعودية خطوات مهمة جداً للتعامل مع ذلك الأمر، ولعل أهم هذه الخطوات الإقرار بوجود المشكلة أساساً ومن ثم السعي الدؤوب نحو الحل الناجع والمفيد والمجدي.
القرارات السليمة وليست القرارات الشعبوية هي التي تصنع الطريق السوي لمستقبل الأمم دوماً مهما كان القرار في ظاهره صعباً وغير «محبوب» لدى البعض، إلا أن الصالح العام والمصلحة العريضة تبقى هي المعيار الأهم لقياس الأصح والأهم.
السعودية تشهد حراكاً مستمراً لمسيرة الإصلاحات الاجتماعية التي الغرض منها طي صفحات الجهل، والتشدد الذي جاء باسم الدين وباسم العادات، فالمستقبل المضيء يتطلب حسن الظن وروح التسامح وقودا للتنمية وخيالا للأمل. اعتقادي الشخصي أن هذه السنة ستشهد مفاجآت سارة في هذه المواضيع، وتبقى في هذه السنة خمسة أشهر، فلننتظر ونر!