مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

تزاوج السياسة والأخلاق غيّر سلوك الأمم

لم يعد بإمكان الشرق الأوسط الإفلات من المراقبة بعد تعميم الفوضى نتيجة سياسات بعض الدول الممولة للإرهاب، وقد حصل تشظ كامن في التوترات بسبب سرعة النمو الاقتصادي في بعض دول العالم وتدهوره في دول أخرى، مما أنتج أعراضاً سياسية جانبية، جسدت هذه السرعة الرأسمالية مع احتمالات فوضى سياسية كبيرة شكلتها إيران وحلفاؤها، ومن ثم تهديدها للسلام والأمن الدوليين، من هنا، يعتبر هذا التهديد سبباً كافياً للعقوبات الأميركية المفروضة، حيث ازدادت الأخطار لكل مكونات النظام الدولي. إذن ثمة أساس واضح لجعل طهران توقف دعمها للجماعات الإرهابية.
وفي هذا الإطار لن يظهر أي متحد لمنازعة أميركا مكانتها كقوة عظمى أولى في العالم، تقوم بفرض العقوبات وتجميد نشاط الشركات الأوروبية إذا لم تلتزم تلك العقوبات، ويطلب من جميع الدول وقف التعامل الاقتصادي مع إيران، ويؤكد في هذا الصدد ضرورة تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وتنسيق الجهود على الصعيدين الإقليمي والدولي، ولكن يلاحظ بمزيد من القلق سعي تركي لتعزيز العلاقة مع أوروبا وروسيا والصين، وخاصة بعد التوتر مع واشنطن.
وسواء نشأت هذه العلاقات للتصدي لسياسات أميركا أو نشأت عن الحاجة لتنمية اقتصادها للحماية من الانهيار الاقتصادي، فهي أشبه بالتحالف الكبير الذي يدير عمليات واسعة النطاق، وهي تشكل خطوة نحو تحقيق غاية الدول التي فُرضت عليها العقوبات الاقتصادية وتؤكد ذاتها بشكل كبير.
وعلى نحو مماثل، هناك عمل دؤوب لدول أوروبية على إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني، ولكن طهران بدأت «تفقد الأمل» حسب اعتراف خامنئي نفسه بأن أوروبا لن تنقذ الاتفاق، وغير موثوق بها، فثمة أمثلة كثيرة من التشابه لها تأثير عميق في الأحداث العالمية تلعب دوراً أساسياً بعد مأزق «لاهاي»، ففي هذا الفضاء الفسيح الكل يعمل من أجل إيجاد فرص سانحة يستغلها، ولكن استحالة هزم قوة عالمية عظمى بحجم أميركا رسالة تبعث بها الإدارة الأميركية للتعبير عن تجليات الغضب والاستياء، فمهما كانت تهديدات طهران ومناوراتها أشبه بمسودة قابلة للتعديل، لا سيما أن الأحداث أصبحت أكثر حركية وأكبر مساحة تتقاسمها إيران الثورية التي أسلمت الدولة لمنافع سياسية، وتركيا التي فتحت الباب العالمي الجديد لـ «الإخوان المسلمين» ورعاية التطرف والتوظيف السياسي، فالدولتان تعملان على فرض سيطرتها على المنطقة سواء بالمتاجرة بالدين أو بتغذية المجموعات الشعبوية عبر منابر الشوارع والخطابات الوطنية، فقد أبقت كل منهما على نظرية الربح قبل أن تستيقظ الجموع من سباتها بعدما ابتلعت الطعم وغصت به فلم تعد الشعوب تمرر هذه الخدع السياسية بعد اليوم.
لقد انتهت المرثاة المألوفة التي ترددها الشعوب وأصبحت تطالب بثرواتها وحقوقها بعد الكوارث الاقتصادية ونوازل السياسة، ففي النهاية كل طريق تسلكه أي دولة في العالم له آيديولوجيته ولكن يظل تحت حكم نظام واحد، لذلك تبقى الملفات السياسية الشائكة معلقة في واشنطن ولديها دافع مضاعف لمراقبة ما يحل بالمنطقة.
وللسبب نفسه ستتوقف كل الأساليب الملطخة بالاضطراب حتى وإن تطورت الأحداث والصراعات والنزاعات، سيتم تعديل الموعد النهائي لمن يهدد السلامة الاقتصادية والنتائج الإقليمية، فلم يعد بمقدور هؤلاء تقديم مفهوم إشكالي غير متوافق لمثل هذا التحول في التحالفات المزعزعة للأوضاع، وحقيقة الأمر فإن حروب الآيديولوجيات في هذه الفضاءات العامة ستنتهي ثم تبدأ حروب الحضارات!