صالح القلاب
كاتب أردني. وزير إعلام ووزير ثقافة ووزير دولة سابق، وعضو سابق في مجلس أمناء المجموعة السّعوديّة للأبحاث والتّسويق.
TT

غزة: هل تتطلب «التهدئة» مطارات وموانئ ومحاور إقليمية؟

حتى لو بقي موسى أبو مرزوق، الذي كان أول قائد لحركة «حماس» ولو اسمياً، يقسم بكل ما يعدّها مقدسات بأنه لا يوجد أي اتفاق بين حركة المقاومة الإسلامية وإسرائيل، وأن كل ما في الأمر أن هناك مجرد محاولة تهدئة أمنية، فإنه لا يمكن تصديق ذلك ما دام أن ما أعلنه نائب رئيس حركة «فتح»، محمود العالول ومن بيروت، ثابت ومؤكد وتتواصل حلقاته حلقة بعد أخرى، وأنه ليس مجرد «غرام» طارئ ومفاجئ أن تكون هناك هذه اللقاءات العلنية والسرية كلها، وأن تدخل على هذا الخط جهات كثيرة من الواضح أن من بينها الولايات المتحدة ومعها بعض الدول الأوروبية، وإنْ بطرق وأساليب غير معلنة وسرية.
كان المفترض أن يكون «الإخوان المسلمون»، والمقصود هنا التنظيم العالمي وفرعه الأردني الذي كان يعد فرعاً فلسطينياً، رغم أن الضفة الغربية كانت تعد جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، أول الملتحقين بحركة «فتح»، التي كانت قد أعلنت إطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة في «الفاتح من عام 1965»، لو أنهم لم يكونوا يعدّون أن «الفكرة الإخوانية» أهم من فلسطين وتحريرها، وأن عليهم أن يُنْجحوا هذه «الفكرة» أولاً، وحقيقة أن تركيزهم في ذلك الوقت المبكر كان على مصر على اعتبار أنها كانت مظلتهم الرئيسية، وأنها أكبر الدول العربية وواحدة من أهم الدول الإسلامية.
لا شك في أن «الإخوان»؛ إنْ في مصر وإنْ في الأردن، بقوا، وفي بعض الأحيان، يدعون بأنها لهم وأنهم منها على اعتبار أن ميول بعض مؤسسيها إسلامية، والمقصود هنا هو: ياسر عرفات (أبو عمار)، وخليل الوزير (أبو جهاد)، وصلاح خلف (أبو إياد)، الذين لم يكن أي منهم منتمياً تنظيمياً لهذا التنظيم الإخواني، ولا لـ«حزب التحرير الإسلامي» الذي هو مجرد انشقاق مبكر عنه كان قاده الشيخ تقي الدين النبهاني، كما هو معروف.
وهكذا؛ فقد بقي «الإخوان» ينأون بأنفسهم عملياً عن «فتح» وعن الثورة الفلسطينية، وهذا مع أن بعضهم وبعدد لا يتجاوز العشرين شخصاً قد التحقوا بأحد المعسكرات «الفتحاوية» في محافظة إربد الأردنية ولفترة محدودة وقصيرة. والملاحظ هنا، وهذا يجب أخذه بعين الاعتبار دائماً وأبداً، هو أن تأسيس حركة المقاومة الإسلامية قد جاء بعد نحو 5 أعوام من خروج «المقاومة» من بيروت عام «1982»، وأنها عندما تأسست في عام 1987 انطلاقاً من غزة كانت عملية السلام، التي تم التوصل إليها في عام 1993، قد قطعت شوطاً طويلاً بالإمكان القول إنه بدأ عملياً في قمة «فاس» العربية بعد نحو أسبوع من مغادرة القيادة الفلسطينية العاصمة اللبنانية.
إن هذا يعني أن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين قد أدرك أن هناك حلاً «سلمياً» للقضية الفلسطينية بات يلوح في الأفق، وأن عليه أن يبادر لركوب موجة المقاومة والكفاح المسلح؛ وإنْ متأخراً، ليكون هو صاحب النصيب الأوفر في هذا الحل. وحقيقة فإن هذا هو ما جرى وما تم بالفعل، مع الأخذ بعين الاعتبار أن «حماس»، التي كانت قيادتها ربما ولا تزال بيد قيادة التنظيم العالمي «الإخواني»، تنأى بنفسها عن منظمة التحرير مع أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار)، رحمه الله، بقي يطاردها من عاصمة إلى عاصمة أخرى ومن مكان إلى مكان آخر ويقدم لها مغريات قيادية كثيرة في الأطر القيادية الفلسطينية، لكنها بقيت تواصل التهرب والرفض منذ ذلك الوقت، وحتى بعدما أصبح محمود عباس (أبو مازن) رئيساً للسلطة الوطنية ولمنظمة التحرير ولحركة «فتح».
المهم أنه ثبت أن محادثات استعادة الوحدة الوطنية بعد انقلاب «حماس» في عام 2007 على السلطة الوطنية وحركة «فتح» ومنظمة التحرير، كانت بلا أي جدوى، وأن حركة المقاومة الإسلامية ذاهبة في الشوط حتى النهاية، وأنها عازمة بالفعل، بإسناد دولي وعربي، على إقامة الدولة الفلسطينية المنشودة في قطاع غزة، وأنها أقامت لهذه الغاية قنوات اتصال مباشرة وغير مباشرة مع الإسرائيليين، وهذه مسألة غدت واضحة ومعروفة، ولم يعد بإمكان موسى أبو مرزوق إنكارها حتى وإنْ هو استعان بأغلظ الأيمان وبأرواح الشهداء الفلسطينيين وفي مقدمتهم الشيخ أحمد ياسين.
كان الواضح أن قرار «حماس» ليس في يدها وليس في أيدي قادتها الأوائل، والدليل أن خالد مشعل وإسماعيل هنية قد أُجبرا على التنصل من «اتفاق مكة المكرمة» الذي كانا وقعاه مع «أبو مازن» بين يدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في فبراير (شباط) عام 2007، والقيام بانقلاب عسكري دموي على السلطة الوطنية ومنظمة التحرير وحركة «فتح» بعد نحو أربعة أشهر فقط، حيث بات واضحاً أن هدف هذا كله هو إقامة الدولة الفلسطينية المنشودة في قطاع غزة، وهذا في حقيقة الأمر هو ما تريده إسرائيل، وما تريده هذه الإدارة الأميركية وما يريده الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وما يهدف إليه اعتراف الولايات المتحدة بالقدس الموحدة عاصمة أبدية للدولة الإسرائيلية.
وهكذا؛ فهل يمكن أن يصدق يا ترى حتى أصحاب أنصاف العقول أن كل هذا الذي يجري بين «حماس» وإسرائيل برعاية قطرية وبمشاركة أميركية ودولية، هو مجرد «تهدئة» بين حركة المقاومة الإسلامية وبين الدولة الإسرائيلية، وأنه مجرد هدنة مؤقتة قد تستمر لعشرة أعوام وربما أكثر، خصوصاً أنه من الواضح أن هذا ما وعد به الرئيس الأميركي دونالد ترمب والتي بات يتولى مساعي تنفيذه صهره جاريد كوشنر.
هل مجرد «التهدئة» بين إسرائيل و«حماس» يقتضي اجتماعاً بين وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان في قبرص، ويقتضي أن تطلب إسرائيل وفي فترة سابقة ليست قريبة من القبارصة السماح بفتح خط بحري مع غزة، وأن يتم الإعلان لاحقاً وقبل أيام قليلة من قبل الإسرائيليين عن إعطاء دولة غزة الموعودة ميناءً ورصيفاً على الشواطئ القبرصية، وإعطائها مطاراً في إيلات ولكن تحت إشراف السلطات الإسرائيلية.
وعليه؛ ومع الاحترام والتقدير لـ«الأخ» موسى أبو مرزوق، فإن حكاية «التهدئة» هذه التي يروج لها غير مقنعة على الإطلاق، فالتهدئة لا تحتاج إلى مطارات، ولا إلى موانئ وأرصفة في قبرص، ولا إلى بروز هذا المحور الذي أضيفت إليه إسرائيل والذي، و«للعجب»، هناك من يقول إنه سيضم بالإضافة إلى الدولة الإسرائيلية ودولة غزة المنشودة «الشقيقة» قطر... وتركيا وإيران أيضاً، ولاحقاً نظام بشار الأسد إنْ هو بقي صامداً في وجه كل هذه العواصف التي يتعرض لها، وكل هذا ومن غير المستبعد أن تكون روسيا الاتحادية فوق الجميع.
والسؤال هنا الذي من الممكن أن يتبادر إلى الأذهان ونحن بصدد الحديث عن كل هذه التطورات الخطيرة هو: لماذا تم التخلص يا ترى من الشيخ أحمد ياسين مبكراً... هل يا ترى لأنه لو بقي على قيد الحياة لحال دون أن تكون الدولة الفلسطينية المنشودة في غزة وحدها ودون أن تكون هذه الدولة هي «صفقة القرن» التي روج ويروج لها الأميركيون؟!
ثم وهل يا ترى أن كل هذه التنازلات الخطيرة ستأخذ «حماس» أيضاً إلى استكمال الاستجابة لـ«صفقة القرن» هذه بالقبول مستقبلاً، إنْ بقيت الأمور تسير في هذا الاتجاه الذي تسير فيه الآن، بأن يكون المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة مجرد أماكن دينية إسلامية لا صفة سياسية لها، وأن تكون أبو ديس، إذا تم توحيد غزة مع ما سيتبقى من الضفة الغربية، هي عاصمة الدولة الفلسطينية الكئيبة والبائسة المنشودة؟!