لم يكن للخروج البريطاني من منظومة الاتحاد الأوروبي (بريكست) تأثير كبير على مشكلة التفاوت في بريطانيا، على الرغم من وعود رئيسة الوزراء تريزا ماي بعكس ذلك.
فقد ازداد متوسط قيمة المكافأة التقاعدية لمديري أكبر 100 شركة في المملكة المتحدة، بواقع 23 في المائة، ما بين عامي 2016 و2017، وفق مركز «هاي باي سنتر» البحثي. وفي المقابل، لم يحظ الموظفون العاديون بشيء من ذلك، حيث يتقاضى مدير المؤسسة الكبرى 145 ضعف العامل العادي عام 2017 مقارنة بنحو 128 ضعفاً عام 2016.
وتحتل بريطانيا المرتبة السابعة في ترتيب الدول الأقل عدالة اقتصادية بـ«منظمة التعاون الاقتصادي والدولي» (تضم في عضويتها الدول التي تقبل بمبادئ الديمقراطية واقتصاد السوق الحر)، وذلك بحسب مقياس «غيني» لعدالة توزيع الدخل القومي (المصدر: منظمة التعاون الاقتصادي والدولي).
وإذا ما تعمقنا أكثر في الأرقام، سيتضح أنها قد انحرفت بسبب برامج تحفيز غير متوازنة في شركتين على الأقل: شركة «هومبيلدر برسيمون» التي منحت مديرها 47.1 مليون جنيه إسترليني (60 مليون دولار) العام الماضي، وشركة «ميلوراس أندستريز» التي تركها مديرها بعدما حصل على 42.8 مليون جنيه إسترليني.
فقد منحت الشركتان مديريهما خططاً لحوافز طويلة الأجل مرتبطة بأداء وأسعار سوق المال التي تبين للجميع مدى كرمها على المدى البعيد. وإذا ما نظرنا إلى غيرهما من الشركات، فإن الفارق في الشركات الأقل حظاً لا يتعدى 6 في المائة فيما يخص السخاء في منح مكافآت التقاعد.
وها قد استيقظ المستثمرون وانتبهوا لمسؤولياتهم في هذا الصدد، وكانوا هم من أشاروا إلى الصناديق المالية التي تمنح كل تلك المبالغ المتزايدة من دون تدقيق كافٍ ولا مراعاة للتوازنات، وقد انتبهت الشركات لذلك، ففي فبراير (شباط) الماضي، وافق مجلس إدارة شركة «برزيمون» على تقليص مكافآت المديرين التنفيذيين، ووعد بوضع سقف لها في المستقبل.
ويبدي الرأي العام في بريطانيا تعاطفاً مع العاملين ذوي الأجور المتدنية ومع العاطلين عن العمل، ويشكل ذلك ضغطاً واضحاً لتقليص التفاوت وتعديل كفة الميزان المختل، ولذلك فإن التعاطف يزداد مثلاً مع شريحة الممرضات وغيرهن من أصحاب الأجور المتدنية.
وقد أظهر استطلاع للرأي العام، أجراه مركز «يو غوف» البحثي، أن نحو 53 في المائة ممن شملهم الاستطلاع يرون تفاوتاً في الأجور بين الرجال والنساء، فيما تراجعت نسبة الأشخاص الذين يعتقدون بأن المطالبين بمعونات البطالة هم في الحقيقة غشاشون، حيث سجلت الاعتراضات على تلك الفئة أدنى مستوى خلال 30 عاماً، بحسب مركز «نات سين» البحثي.
ومن المتوقع أن تؤدي الإجراءات الجديدة المطالبة بشفافية الكشف عن مكافآت المديرين إلى زيادة الضغوط الشعبية. ومما يوضح التغيير في السياسات أن حزب المحافظين، المساند لمجال الأعمال، الذي تنتمي إليه رئيسة الوزراء تريزا ماي، قد طالب بالكشف عن الفجوة - بل وتبرير أسبابها - بين مكافآت المديرين وباقي العاملين. وبالفعل طالبت شركة «بلاك روك» مجلس إدارتها بوضع كل ذلك في الاعتبار عند تقرير مكافآت المديرين.
يعني ذلك أيضاً أن الأمور قد أصبحت أصعب بالنسبة للمديرين التنفيذيين في تحقيقهم للأهداف. فأسعار الفائدة أخذت في الارتفاع، وأخذ برنامج «هلب تو باي»، ويعني المساعدة في الشراء، البريطاني، في التلاشي. ولا يساعد هذا البرنامج الحكومي في سداد أسعار المنازل فحسب، بل يعزز أيضاً من أرباح شركات الإنشاء والتصاميم. وقد اشتعلت مؤشرات أسهم «فايننشيال تايمز 100 أنديكس»، مما يعطي المستثمرين مبررات للتدقيق في طريقة منح المكافآت.
وكما كتبت بداية العام الحالي، فإن «بريكست» هو الورقة الرابحة، وجاء ضعف الجنيه الإسترليني نعمة للشركات الكبرى في سوق المال «فايننشيال تايمز 100 أنديكس»، ليزيد من قيمة عائداتها في الخارج، في الوقت الذي تعاني فيه المؤسسات في الداخل والعاملون فيها من استمرار ارتفاع الأسعار.
لكن لا يزال المستثمرون بإمكانهم التأثير على مكافآت مديري الشركات، كما حدث العام الماضي، عندما ثار المساهمون على شركة «بريتش بترويليام» النفطية، ما أجبر عملاق النفط على تقليص المكافأة المفترض أن يحصل عليها مديرها بوب دودلي.
ولذلك إذا دفع الخروج غير المرتب والمؤلم من الاتحاد الأوروبي، البريطانيين، إلى أحضان زعيم حزب العمال، سوف تشعر الشركات العالمية الكبرى بالمأزق الحقيقي. فالضغوط قد بدأت للتو.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
7:44 دقيقه
TT
بريطانيا أقل عدالة اقتصادية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة