محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

لا تترك «الألمعي» وحيداً!

حينما نعتقد أننا الأفضل أو «الألمع»، لا نعير من حولنا آذاناً صاغية. ويقف وراء قصص تخبط كثيرة هذا السلوك البشري، الذي قد يكون بالفعل صحيحاً، في بعض الأحيان، غير أن هناك عوامل خفية قد نغفلها.
إحدى تلك القصص ما ذكر النبي موسى - عليه السلام - حينما سئل: من أعلم أهل الأرض؟ فقال: أنا. وذلك ربما لاعتبارات النبوة وأنه كليم الله؛ لكن الله - تعالى - عاتبه، وأوحى إليه بأن الخضر أعلم منه. وتكملة القصة في سورة الكهف، عندما انطلق النبي موسى في «رحلة الدهشة» مع الخضر، ففوجئ من صنيعه الذي بدا غريباً لأول وهلة، كخرق السفينة الآمنة، وهدم جدار اليتيمين، وغيرهما، ثم اكتشف أنه إنما يفعل ذلك لعلم راسخ عنده. ولذا رد عليه الخضر: إنك لن تستطيع معي صبراً.
هذه القصة الراقية تجعلنا نتأمل ما يجري حولنا من انفراد البشر في القرارات، ومصادرة الرأي الآخر، بالاستناد إلى ركام خبراتهم. غير أن واقع الحال وتعقد التخصصات وتشابكها في عالمنا، جعل حاجتنا للجهد الجماعي أكثر من أي وقت مضى. فقد اتضح لعالم السلوك الاجتماعي باتريك لوغيلن وزملائه، أن العمل الجماعي أفضل طريقة ونتيجة من المجهود الفردي؛ بل واللافت أن فريق العمل كان أفضل من أحسن الأشخاص الذين يشار إليهم بالبنان في حل المشكلات بمفردهم.
والأمر ينطبق على قبطان الطائرة والسفينة، الذي لولا حاجته للجهد الجماعي لما استطاع أن يشق طريقه في الآفاق ويمخر عباب البحر. والمتتبع لتسجيلات حوادث الطائرات يكتشف أن الأخطاء وقعت حينما لم ينبه فريق العمل القائد «الألمعي» في ظنهم، إلى خطر داهم أو شخص مشتبه به فور اكتشاف أمره. وحتى الجالس إلى جانب قائد السيارة يظن أن الأخير قد انتبه إلى طابور السيارات الواقفة، فيقع المكروه بحادث أليم.
أحياناً كثيرة نثق بالطبيب اللامع بأنه لن يعطي جرعات زائدة من الأدوية لمريض، ثم نكتشف أن النظام الإلكتروني نفسه لم يسعفه في اكتشاف خداع المريض، الذي زار أكثر من طبيب قبله ليجمع أعداداً هائلة من الأدوية كافية لقتله.
صحيح أن من الحكمة في الإدارة ألا تخطف الأضواء من مديرك أمام مرؤوسيه بنقده، خصوصاً إذا كان متألقاً ولامعاً في مجاله؛ لأننا بشر يعترينا ما يعتري سائر الناس من قبول محدود للنقد؛ لكن في الوقت نفسه يجب ألا ندع ذلك الألمعي يسير إلى التهلكة.
مسكين الألمعي إذ نحاول ألا نحرجه بملاحظاتنا، فنزيد الطين بلة بتوريطه في مشكلة جديدة، والسبب أننا افترضنا أن خبرته كافية لتنجيه من الوقوع في مشكلة.
وما يستحق التدبر، أن كل لامع في هذه الحياة لا بد أن يشعر بنوع من الوحدة؛ لأنه وجهة من ينشدون الاستشارة؛ لكنه في الواقع هو أيضاً من يتطلع إلى النصيحة والمشورة.

[email protected]