فهد سليمان الشقيران
كاتب وباحث سعودي
TT

«رأس الأفعى» وتفجير الخبر

تمكّنت الحركة الثورية الخمينية من إحياء الأصوليّات المتعددة. بعد وصول الخميني إلى طهران وصف بن لادن الخميني بـ«العظيم»، تمنّى أن يحقق مثل هذا الحلم في السعودية. منذ أوائل الثمانينات سيكون بن لادن متعلّماً من تجارب الحرس الثوري الإيراني و«حزب الله» وعماد مغنية، والذي سيتحوّل إلى حليفٍ يتخادم معه لتنفيذ تفجيرات عديدة ومنها عملية الخبر في منتصف عام 1996. والتعاون بين إيران وفروعها وأذرعتها وبين تنظيم «القاعدة» معروف لدى الأميركيين، وحين صممت السعودية على إكمال التحقيق في ملابسات التفجير حدثت قصّة طويلة رواها الأمير بندر بن سلطان.. قصّ بمرارة الصفقة المشبوهة بين فريق كلينتون وبين إيران لتحوير التحقيق ووأده بعد أن بينت الخيوط تورّط إيران الصريح في دعم المنفذين لتلك التفجيرات.
كلّف كلينتون مدير «إف بي آي» حينها لويس فريه للتعاون مع السعوديين لإكمال التحقيق، وأوصاه: «لا تترك حجراً من دون أن تقلِبه».
ويليام سيمبسون في كتابه: «الأمير» المتضمن سيرة وشهادات الأمير بندر يكشف التعقيدات التي حدثت، منها الخلاف بين إدارة كلينتون و«إف بي آي»، هذا فضلاً عن تردد مردّه إلى الصلاحية القانونية بعمل هذه المؤسسة خارج أميركا، مفرقاً بين تفجيرات الحرس الوطني وتفجير الخبر، يرى أن الأخير ضحاياه من الأميركيين وعليه فإنه بقدر ما يمسّ انتهاك سيادة السعودية وأمنها، فإن العائلات الأميركية تحتاج إلى نتيجة واضحة تطلع عليها بعد التحقيق. و«لاحظ فريه أن ثمة أمرين استثنائيين؛ اكتشاف تورّط إيراني على مستوى عالٍ جعل المملكة معرّضة للانتقام من أي إجراءٍ متخذ من إيران أكثر من الولايات المتحدة، وأن السعوديين وافقوا على إجراء قانوني يتمّ بموجبه تسجيل الإفادات والأدلة التي يدلي بها الشهود في السعودية، بحضور مدعين أميركيين، ومحامي المتهم وقاضٍ أميركي، وإعادتها إلى الولايات المتحدة واستخدامها في أي محاكمة أميركية». والصاعق في الموضوع أن فريه نفسه يعترف بأن «التفجير لم يكن هجوماً من (حزب الله الحجاز) فحسب، بل عمليّة كاملة موّلتها ونفّذتها القيادة العليا للحكومة الإيرانية من الخارج».
يعترف فريه بأن السعودية ذلّلت كل الصعاب من أجل إنجاز التحقيق على أكمل وجه، وذلك من خلال حلّ العقد بين النظامين الإجرائيين والقانونيين في البلدين. يقول فريه إن الأمير نايف بن عبد العزيز والأمير بندر بن سلطان كانا على ثقة بضلوع إيران وراء التفجير. خلاف حدث بين فريه وساندي بيرغر مستشار الأمن القومي الأسبق؛ الأخير حذّر من عواقب سياسية على أميركا في حال وصلت النتيجة لاتهام إيران، أجابه الأمير بندر: «لا نريد أن نتّهم بدفعكم نحو الحرب». كان عموم الإدارة الأميركية يتجه نحو موقف ساندي، وبعد تفاصيل طويلة ذكرها سيمبسون راوياً عن الأمير بندر اتضح عام 1997 أن الإدارة الأميركية كانت ليّنة تجاه التحقيق، اختارت البرود. يضيف: «تعمّدت الإدارة ترك التحقيق على غير هدى، فيما ركّزت جهودها على تحسين الروابط مع الحكومة المعتدلة في إيران»!
شعر السعوديون ببرود أميركي؛ الملفّات والتحقيقات تثبت تورّط إيران، وبالنسبة لسفير السعودية في واشنطن الأمير بندر: «فلو كان مكان كلينتون جورج دبليو بوش، أو ريغان، وقدّمت له الأدلّة التي تم تزويد الإدارة الأميركية بها لتم غزو إيران، إنني واثق من ذلك». كل ذلك التأجيل والوأد لنتائج التحقيق كان المسار الرئيسي لإصدار كلينتون في أبريل (نيسان) عام 1999 بيان مدّ اليد لإيران. قررت أميركا أن تعاملها بذلك الشكل مع التحقيق أمر راجع لها لأن الضحايا كلهم من الأميركيين، وبالتالي تم سحق ملف فريه، وعبّر الأمير بندر بالمرارة من هذه الصفقة المشؤومة، يقول: «لقد شعرتُ أنا وفريه بأسوأ استغلالٍ للسلطة، كان ساندي مندفعاً لإجهاض الاتهام، وشعر بالجذل أن أحداً لا يعلم إذن: (أبقِ فمك مغلقاً)».
يضيف سيمبسون: «إن إضعاف التحقيق في تفجير أبراج الخبر المثال الأوضح لانعدام الثقة الطويل والعداء المستحكم بين كلينتون وفريه. تحوّل العداء إلى صدعٍ عميق. البيت الأبيض كان فاتراً بشأن متابعة قضية الخبر».
تلك الرواية المختصرة، التي رويت بإسهابٍ في المرجع المذكور، تبيّن مستوى من الكرّ والفر بين المجتمع الدولي وإيران، لقد تمت مكافأتها على عملياتٍ إرهابية كارثية، وكما تململ كلينتون في التحقيق بتفجير الخبر، أدار أوباما ظهره لحلفائه الكبار، وأخذ يتملّق لإيران المعبر الرئيسي لجميع أشكال الإرهاب بالعالم، والأخطر تباهي حسن نصر الله بأن «حزب الله» عرضت عليه صفقة مليارية من إدارة أوباما عبر وسيطٍ أوروبي، ومن ثمّ يتساءل العالم عن مصدر الإرهاب وسبب انتشاره الدائم. لدى إيران اليوم ميليشيات في العراق واليمن وسوريا ولبنان وأفريقيا تموّله مباشرة من دون ردع. لو كان العالم جاداً في محاربة الإرهاب فإن محاربة ومحاصرة دول الشر هي الخطوة الأولى لتحقيق هذا الهدف. تلك المعلومات تبين مستوى الكارثة بتعامل القوى الكبرى بالعالم مع إيران.
يروي والي نصر المستشار ضمن إدارة أوباما أن الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز وفي سجالٍ صريح مع الرئيس قال له غاضباً: «اقطع رأس الأفعى».