د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

إيران ومحاكاة سيناريو «أم المعارك»

«إذا أقدمت إيران على أفعال خاطئة، فستدفع ثمناً باهظاً لم تدفعه سوى دول قليلة على وجه الأرض» كانت تلك تغريدة الرئيس الأميركي دونالد ترمب سبقتها أخرى «إن إيران ستعاني من العواقب، إذا استمرت في تهديد الولايات المتحدة». التغريدات التي جعلت النظام الإيراني تحت تأثير الصدمة، فتنقل بين المكابرة والإنكار، والتجاهل، وتعاطى مع الموقف الأميركي بشكل غير واقعي لم يستوعب الأزمة وحجمها وجدية الموقف الأميركي من ناحية وخطورة الموقف من ناحية أخرى، وخصوصاً تهديدات ترمب بضرب إيران.
النظام الإيراني لم يدرك بعد أنه ليس من مصلحته المواجهة العسكرية مع أميركا لأسباب كثيرة لعل على رأسها البون الشاسع بينهما عسكرياً، فالنظام الإيراني يتجاهل قدراته العسكرية التي لا تمكنه من مواجهة الترسانة الأميركية المتقدمة ومنظومة الصواريخ والطائرات الحديثة في ظل طائرات إيرانية لن تستطيع الإقلاع من مطاراتها، لضعف قدراتها وبدائيتها أمام التكنولوجيا العسكرية الأميركية الحديثة.
النظام الإيراني الذي كان ولا يزال في حرب بالوكالة مع أميركا في مناطق عدة من العالم، هو الآن أمام تهديد خطير بحرب مباشرة مع أميركا بعد أن قرعت طبولها تغريدات ترمب وروحاني.
النظام الإيراني الذي يتهرب من علاج الأزمة والخروج منها بأقل أضرار اتجه إلى سياسة التصعيد ومحاكاة سيناريو صدام في «أم المعارك» التي انتهت من دون حتى مقتل جندي أميركي واحد أو إصابة طائرة، فها هو روحاني يوجه كلامه إلى ترمب: «لا تلعب بالنار مع إيران فهي (أم كل الحروب)».
النظام الإيراني لا يزال يعيش في غيبوبة سياسية لتدارك الخطر المحدق به، خصوصاً بعد أن يئس العالم من السياسة الإيرانية التي تتمادى في التدخل لزعزعة استقرار الأمم والشعوب ونشر آيديولوجيا النظام الإيراني.
الرؤية الإيرانية القاصرة للصراع مع أميركا، دأب النظام الإيراني على ترجمتها من خلال الوزير محمد جواد ظريف وتبريره على أنه «طبيعة سلوك الولايات المتحدة وإسرائيل من إيران، وقلق أميركي من نمو حكم بآيديولوجية الولي الفقيه».
القراءة الإيرانية للتهديد الأميركي بضرب إيران تبقى رؤية قاصرة لا تدرك حجم الخطر، لأن النظام الإيراني دأب على الهرب إلى الإمام، واستخدام دفاع النعامة بدفن رأسه الضعيف في الرمال تاركاً جسده الضخم في العراء.
النظام الإيراني وتصدير الإرهاب يواجه إصرار ترمب وحزمه على قطع دابر هذا الإرهاب، ووضع حد لتدخلات هذا النظام في شؤون الدول، ولكن هذا النظام لا أن يفهم أن الولايات المتحدة جادة في ذلك بأي ثمن، وأنها عازمة على وقف النظام الإيراني عند حده، لأنه يشكل مصدر قلق كبير ليس للمنطقة فحسب، بل للعالم بأسره من خلال تهديداته بغلق المضائق والممرات الدولية الحيوية.
التصعيد الإيراني والتهديد بضرب الأسطول الخامس الأميركي ومضيق هرمز وتعطيل الملاحة الدولية وضرب دول الجوار، والذي يتناقض مع قدرات النظام الإيراني العسكرية، يؤكد حالة التوهان السياسي التي تسيطر على الدبلوماسية النظام الإيراني، وقد يكون هذا التوهان والغيبوبة نتيجة دفعات الشحن المعنوي، الذي يقدمه بعض المحللين السياسيين لهذا النظام ومنهم ديميتري دروبنيتسكي الذي قال إن «تغريدة ترمب، رفع رهان إعلامي في لعبة دبلوماسية محددة» ويرى أن أميركا لن تهاجم إيران.
ولكن أياً كانت القراءة الإيرانية غير الناضجة لتهديد ترمب الصريح بضربها، تبقى الحقيقة أن التفوق العسكري الأميركي على إيران هو الحقيقة، التي لا يزال النظام الإيراني يقفز عليها ويتجاهلها، مما قد يجعله يندم يوم لا ينفع الندم بتوريط شعبه وجيشه في حرب يعلم أنه الطرف الخاسر الأوحد فيها، وإن كانت الحرب ليست بالخيار السهل للطرفين.