د. شمسان بن عبد الله المناعي
TT

العراق... الأسباب الحقيقية وراء المظاهرات

ما يلفت النظر في أحداث البصرة يوم الأحد 8 يوليو (تموز) في قضاء المدينة شمال البصرة، عندما شارك مواطنون في وقفة احتجاجية للمطالبة بالوظائف أمام مقر إحدى الشركات النفطية العاملة في المنطقة، نتج عنه مواجهة مع قوات الأمن، فجأة جاء رد الحكومة كأنها كانت تتوقع الأحداث، حيث تقدم رئيس الوزراء والحكومة في اليوم الأول بإطلاق سلسلة من المشاريع لمحافظة البصرة. وفي محاولة لتهدئة الأوضاع، فقد أعلنت السلطات العراقية الخميس الماضي، حزمة إجراءات لتهدئة غضب سكان محافظة البصرة، وأعلنت اللجنة الوزارية التي شكلتها الحكومة الثلاثاء الماضي، لدراسة مطالب سكان البصرة الذين يتجاوز عددهم مليوني نسمة، تخصيص 10 آلاف فرصة عمل وتنفيذ خطط قصيرة ومتوسطة وبعيدة الأمد لمشاريع خدمية؛ نصب وحدة تحلية المياه بطاقة 3 آلاف متر مكعب وإيقاف التجاوزات وضخ كميات من المياه لشط العرب لتقليل ملوحة مياه المحافظة.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: أين كانت الحكومة المحلية عن البصرة طيلة هذه الفترة عندما كان سكانها يعيشون في أوضاع سيئة؟ ما هذا الاستخفاف بالعقول؟ وهل أهل البصرة ستقنعهم هذه المشاريع الصغيرة؟ وما لبثت الحكومة أن ألصقت تهمة أن هناك مندسين ومخربين في هذه المظاهرات لتشويه سمعتها.
هذا في الوقت قال عضو مجلس البصرة عن كتلة بدر حسام أبو الهيل، إنني أحمل الحكومة الاتحادية مسؤولية ضعف الأداء الحكومي في البصرة، مؤكداً أن نسبة 70 في المائة من إخفاق حكومة البصرة وتلكؤ مشاريعها وضعفها يعود السبب الرئيسي فيه إلى القرار الصادر عن الحكومة الاتحادية رقم 347 الذي أوقف بموجبه العمل بالمشاريع، فضلاً عن عدم صرف مستحقات البصرة من البترودولار، على الرغم من إحالة حكومة الأخيرة 1500 مشروع إلى العمل.
وتعتبر محافظة البصرة المنبع الرئيسي للذهب الأسود في العراق، حيث تسهم بـ65 في المائة من الإنتاج في العراق الذي يعدّ ثاني أكبر مصدر نفط في العالم بعد السعودية، وتُعد رئة البلاد الاقتصادية، بفضل موقعها الجغرافي ومنافذها الحدودية السبعة، في وقت بلغت فيه قيمة صادرات العراق النفطية عام 2017 نحو 70 مليار دولار.
وتشير الإحصائيات إلى أنها تملك 15 حقلاً من أصل 77 حقلاً معروفاً، منها 10 حقول منتجة، كما تحتوي هذه الحقول على احتياطي نفطي يزيد على 65 مليار برميل، مشكلاً نسبة 80 في المائة من إجمالي الاحتياطي النفطي العراقي المثبت، أما الإنتاج الشهري لحقول البصرة من الخام، فقد بلغ 3.521 مليون برميل يومياً في شهر يونيو (حزيران) الماضي.
لذا، إذا كانت للبصرة هذه الأهمية الاقتصادية كان على الحكومة إذا أرادت أن تعالج المشكلة من جذورها، أن تبحث في الأسباب الحقيقية التي أدت إلى قيام الانتفاضة؛ فشل الحكومة وعجزها واستحواذها على مقدرات الشعب والدولة واستقلالها للمصالح الخاصة والفئوية والحزبية. ما تعانيه البصرة تعانيه كل محافظات العراق، ما عدا المنطقة الخضراء. أين عائدات النفط؟ تتوزع بين الحرس الثوري الإيراني الذي يتسلم عشرين مليون دولار سنوياً من عائدات النفط العراقي، وقسم يذهب إلى أحزاب أخرى، وسكان البصرة يئنون تحت ضغوط المعيشة والفساد، فإيران تقطع الكهرباء ويشربون الماء المالح والبطالة منتشرة بين الشباب، في الوقت الذي تشغل فيه مصانع النفط شباب المحافظات الأخرى.
الملاحظ في مسيرة الأحداث في العراق منذ بدأت أن هناك سياسة خلط للأوراق، حيث في الوقت الذي نجد فيه الحكومة تعطي الوعود للشعب وتؤكد سياسة المساواة والعدالة الاجتماعية، فجأة نجد قيام مظاهرات شعبية تطالب بأدنى الحقوق، مثل فرص العمل وتوفير المسكن والغذاء، فخلال عامي 2017/ 2018 كانت هناك مظاهرات كبيرة أولاها حول المنطقة الخضراء أدت إلى قتلى وجرحى، وفي هذا العام فوجئنا بمظاهرات البصرة والمحافظات الجنوبية، ولا ندري أين كانت وعود الحكومة بين الحدثين. حراك سياسي لا يتوقف في البرلمان وفي اجتماعات الحكومة وعلى أرض الواقع لا نرى شيئاً نسمع جعجعة ولا نرى طحناً.
منذ عام 2003 عندما حدث التحول السياسي في السلطة ومحافظة البصرة موضوعة على الرف من قبل الحكومة، مع العلم أنها المدينة الثانية ولا يذكر العراق إلا وتذكر البصرة، فهي سلة الغذاء والموارد الطبيعية، ليس في العراق فقط إنما في العالم العربي، فليس فيها النفط فقط إنما فيها الأراضي الزراعية الشاسعة، وأكثر من ميناء، وهي تربط دول الخليج والجزيرة العربية بدول الشام. والبصرة الآن تحتضن مشكلات الفقر والبطالة ومشكلات البيئة، والتركيز كل التركيز طيلة حكومتي حزب الدعوة كان منصباً على المنطقة الخضراء في بغداد.
الخلل في العراق ككل ليس خللاً اقتصادياً، إنما خلل سياسي، حيث هذه التشكيلة المتناقضة من الأحزاب السياسية والجمعيات وتعدد مراكز القرار، فمن المرجعية الدينية إلى الحزب الحاكم وتعدد الميليشيات السياسية، ومن هنا نقول إن السبب الجوهري لكل مشكلات العراق سياسي بالدرجة الأولى، فالعراق بحاجة إلى حكومة مركزية تمتلك سلطة القرار البعيد عن أي مرجعية أو حزب سياسي أو تأثير أجنبي.