د. كريم عبديان بني سعيد
ناشط حقوقي ومهتم بقضايا إيران
TT

تصعيد واشنطن في مواجهة طهران فرصة لتوحيد المعارضة الايرانية

من استمع لخطاب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، مساء الأحد الماضي، أمام الجالية الإيرانية في جنوب ولاية كاليفورنيا، التي يسكن فيها عدد كبير من المهاجرين الإيرانيين، أي أكثر من ربع مليون، لاحظ دون شك من خلال هذا الخطاب، جدية إدارة الرئيس دونالد ترمب في دعم عملية تغيير النظام في إيران، ولو كان بشكل غير مباشر؛ لأن الرأي العام الأميركي لم يعد يتقبل فكرة تدخل بلاده في دول العالم بشكل مباشر، نظراً للتجارب السابقة.
لاحظت شخصياً من خلال اجتماعاتي مؤخراً ببعض المسؤولين الأميركيين، ازدياد الاصطفافات داخل مؤسّسات صنع السياسة الخارجيّة الأميركية في واشنطن، منذ أن أعلن الرئيس ترمب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق إيران النووي في 8 مايو (أيار) الماضي.
وقد حدد وزير الخارجية الأميركي في 21 مايو الماضي، 12 مطلباً أمام إيران، كشروط لإبرام اتفاق جديد تنتهي بتغيير سلوك النظام الإيراني بشكل كامل، وهذا ما رفضه ويرفضه نظام ولاية الفقيه جملة وتفصيلاً؛ لأنه يرى في تنفيذ هذه الشروط سقوطه لا محالة. لذا وفي ظل عدم تجاوب نظام طهران واستمراره في سياسته القمعية في الداخل، ونشر الإرهاب في المنطقة والعالم، نسمع كثيراً من النقاش حول الحاجة لإيجاد البديل للنظام في إيران، وعن كيفية إزالته؛ لأنه لا أحد يرغب في حدوث فوضى عقب سقوط النظام، لذا ينبغي أن يتم انتقال السلطة سلمياً، ومن خلال حراك الشعوب الإيرانية في الداخل.
وبموازاة ديمومة الانتفاضة الشعبية في داخل إيران، ازدادت تحركات المعارضة الإيرانية بمختلف أطيافها في الخارج؛ ففي 10 يونيو (حزيران)، عقدت مجموعات سياسية إيرانية ندوة في جامعة جورج واشنطن في العاصمة الأميركية، بمشاركة شخصيات سياسية ورجال أعمال وأنصار التيار الملكي، ومنظمات فارسية متنفذة في أميركا، ووجهت دعوة لإيرانيين من کل أنحاء العالم.
كما حضر قادة كثير من الأحزاب والمنظمات غير الفارسية، من الأكراد والأتراك والعرب الأهوازيين والبلوش، ونحو 10 جنرالات سابقين من الجيش الأميركي، وحضر كذلك مسؤولون سابقون في وکالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وخبراء في شؤون إيران، كمستشارين في مشروع إسقاط النظام.
وكان الهدف من ذلك المؤتمر، السعي لإظهار المجموعة التي وقفت وراءه بمثابة البديل للنظام، وهم الملكيون أنصار رضا بهلوي، نجل الشاه السابق الذي أسقطته ثورة عام 1979. وكذلك في الفترة نفسها تقريباً عقدت تيارات أخرى مؤتمرات وندوات في عدة عواصم، لغرض إيجاد البديل الديمقراطي.
ولكن هناك قناعة ملموسة لدى مؤسسات صنع القرار الأميركي، بأنه لا يمكن لأي تيار إيراني أو فارسي وحده أن يسقط النظام بمفرده، ولا يمكن الحديث عن أي بديل ديمقراطي للنظام المستقبلي في إيران دون مشاركة القوميات والشعوب غير الفارسية المهمشة والمعزولة عن الحكم، والتي تشكل ما يزيد على نصف سكان إيران. وهذا ما أثبتته أحداث الانتفاضة الخضراء عام 2009؛ حيث جاء فشلها بسبب عدم مشاركة الشعوب غير الفارسية فيها.
وخلال ندوة الملكيين، تحدثت أنا شخصياً كعربي، وأيضاً سائر قادة أحزاب الشعوب غير الفارسية الأخرى، عن ضرورة القبول بالتعددية القومية في إيران المستقبل، وإقامة دولة فيدرالية لا مركزية، لمنع إعادة إنتاج الاستبداد واحتكار السلطة والثروة، وعن أن القوميات تشكل اليوم أكبر قوة للتغيير في إيران، على عكس التيارات الفارسية المشتتة والمفككة. لكن الحديث لم يرُق لبعض المشاركين، وحدثت مشادات كلامية بيني وبينهم، وتعالت الأصوات؛ لأنهم ما زالوا يعيشون العقلية الشوفينية المتخشبة، المتمثلة بالتطرف القومي والاستعلاء الفارسي، ويريدون إيران بهوية ولغة وثقافة وقومية واحدة، هي الفارسية، وفرضها بالقوة على باقي المكونات القومية.
بالإضافة إلى الملكيين، بالطبع هناك منظمة «مجاهدين خلق» التي تطرح نفسها بمثابة البديل الديمقراطي الوحيد للنظام الإيراني.
والمنافس الآخر هو «مؤتمر شعوب إيران الفيدرالية» الذي يتكون من 13 حزباً ومنظمة للشعوب الإيرانية، وتم إنشاؤه في عام 2005 من الأتراك والأكراد والعرب والبلوش والتركمان واللُر، ولكن لا توجد منظمات فارسية فيه. ومن أجل خلق توازن في القوة، قام معظم قياديي المؤتمر بمفاوضات مع القوى الفارسية التقدمية التي تريد إسقاط النظام، وبعد 3 سنوات من النقاشات تم تأسيس «مجلس القوى الديمقراطية في إيران».
وعقد هذا المجلس ثاني مؤتمر له في كولون بألمانيا يومي 14 و15 يوليو (تموز) الجاري، كأوسع تحالف حتى الآن يضم أوسع طيف على الإطلاق لقوى المعارضة الإيرانية؛ حيث ضم قوى تمثل القومية الفارسية، بالإضافة إلى أحزاب ومنظمات القوميات غير الفارسية، التي شاركت في تأسيس المجلس، وهي «الجبهة الديمقراطية لإيران، وحزب كوملة كردستان الإيراني، وحزب التضامن الديمقراطي الأهوازي، والمركز الثقافي السياسي الأذربيجاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وحزب الشعب البلوشي، والمركز الثقافي السياسي التركماني، والجبهة المتحدة لبلوشستان، وحزب اتحاد البختياري ولورستان»، بالإضافة إلى نقابات عمالية، ونشطاء المجتمع المدني، وشخصيات سياسية مستقلة.
وكنت أحد المتحدثين الرئيسيين في المؤتمر، إلى جانب متحدثين من كافة أطياف المعارضة الإيرانية، من اليسار إلى اليمين، من الداخل (عبر كلمات مسجلة) ومن الخارج الذين ألقوا كلمات عبرت عن ولادة حراك جديد موضوعي، يهدف إلى توحيد قوى المعارضة حول برنامج مرحلي لإسقاط النظام.
وأكدت في كلمتي ضرورة إزالة جميع العقبات التي تحول دون تحقيق الهدف المرحلي الأول، وهو إسقاط نظام ولاية الفقيه، الذي أصبح وبالاً، ليس على الشعوب الإيرانية فحسب؛ بل على كل شعوب المنطقة أيضاً، كما أصبح يشكل تهديداً على أمن الولايات المتحدة وحلفائها حول العالم، بسبب استمراره في نشر الإرهاب الدولي وسعيه لامتلاك السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل، ونشره الفوضى، وفقاً لمبدأ تصدير الثورة الخمينية.
إن توحيد النضال لإسقاط النظام الذي قضى على أكثر من جيلين من أبناء المجتمع الإيراني، أصبح مهمة وطنية وضرورة تاريخية لا يمكن تجنبها، ويتطلب بالضرورة وحدتنا؛ لأن أي حزب أو منظمة أو قومية أو شعب لا يستطيع بمفرده تنفيذ هذه المهمة المصيرية، فلو كان بوسعه لفعل ذلك خلال العقود الأربعة الماضية.
وأكدتُ ضرورة استفادتنا كقوى ديمقراطية من الفرصة المتاحة لمخاطبة الرأي العام العالمي، واستغلال الظرف التاريخي للتخلص من النظام؛ لأن قوة أحزابنا تكمن في كونها تمثل كافة الأقاليم في إيران، وعليه فبإمكانها الحفاظ على مؤسسات الدولة في أقاليمنا، منعاً لحدوث فوضى محتملة، ولتحقيق هذه الغاية نحن بحاجة ماسة لبديل ديمقراطي يحل محل نظام ولاية الفقيه، الأمر الذي يحتاج بالمرحلة الأولى إيجاد الوفاق الموضوعي والوحدة العملية، بغية حشد كافة القوى الساعية لإزالة النظام.
وأكدتُ في كلمتي أمام المؤتمر، أن جو التسامح والتفاهم يجب أن يسود، وعدم اتهام القوى التي تناضل للحفاظ على هوية شعوبها القومية بالسعي للانفصال.
وتم التأكيد على أن «مجلس القوى الديمقراطية في إيران» وكافة الشخصيات والأحزاب والتنظيمات العشرة الأعضاء في المجلس، بالإضافة إلى التنظيمات المنضوية في «مؤتمر شعوب إيران الفيدرالية» لا تدعو للانفصال أو استقلال أقاليمها؛ بل الهدف الحالي هو توحيد الشعوب والقوى الديمقراطية المحبة للسلام والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان كافة، حول مطلب إسقاط النظام الديكتاتوري في طهران، وإنشاء دولة ديمقراطية فيدرالية تعددية.
وبالتأكيد، فإن الترويج لتهمة السعي لتفكيك إيران، هو من بنات أفكار النظام، بهدف تشتيت قوى المعارضة التي تسعى للإطاحة بولاية الفقيه، حتى يستمر الحكم الشمولي الاستبدادي، وتدوم إراقة دماء الشعوب. كما أن هناك مجموعات شوفينية عنصرية لا تعترف بالحقوق القومية للشعوب غير الفارسية، وتكرر تهمة السعي للانفصال ضد تنظيمات الشعوب غير الفارسية، وتتخندق مع نظام الملالي الفاشي الطائفي.
إن الحل لمستقبل إيران يتبلور في «حق تقرير المصير الداخلي» للشعوب، والذي لا يعني لزوماً استقلال الأقاليم وتشكيل دول مستقلة؛ بل إنه الطريق الأفضل للقضاء على الدولة الاستبدادية المركزية، وهو بديل مقبول إقليمياً ودولياً، ويضمن في الوقت نفسه تشكيل حكومات محلية في الأقاليم الفيدرالية، بهدف توزيع السلطات والثروات على الأقاليم.
وبالنسبة لمرحلة ما بعد إسقاط النظام، اقترحنا تشكيل جمعية تأسيسية لمرحلة انتقالية تشترك فيها جميع الأحزاب والتيارات والمنظمات السياسية والمدنية، من مختلف الشعوب والقوميات ومكونات المجتمع الإيراني، لإعداد دستور جديد يحدد أطر النظام السياسي الجديد، وانتخاب حكومة مؤقتة، تقوم خلال ستة أشهر أو سنة بالتحضير لإجراء الاستفتاء وانتخابات حرة ونزيهة، بإشراف دولي.
واتفق جميع المشاركين في المؤتمر، كتنظيمات وشخصيات، على هذا المقترح، وقد ورد في البيان الختامي وتم اعتماده كوثيقة سياسية.
وطرح مجلس القوى الديمقراطية الإيرانية دعوة مفتوحة للحوار مع أطياف المعارضة الأخرى، وبدأت فعلياً جولات تفاوضية مع سائر القوى السياسية المعارضة، للاتفاق حول الحد الأدنى.
ونظراً لتصاعد انتفاضة الشعوب الإيرانية في الداخل، على المجتمع الدولي أن يدعم الاحتجاجات الجماهيرية، والنضال في سبيل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، بغية الخلاص من نظام ولاية الفقيه الكهنوتي، الذي ينشر الدمار والخراب منذ أربعة عقود في إيران وفي المنطقة.