ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

حلفاء أميركا في حاجة إلى معلوماتها الاستخبارية

لم يسبق لمجتمع الاستخبارات الأميركية مواجهة مشكلة مثل الرئيس ترمب - قائد يتشكك عدد متزايد من الجمهوريين والديمقراطيين في ممالاته لآراء روسيا بخصوص توصيات وكالات الاستخبارات التابعة له.
وقد أبدى جون مكلوفلين، القائم بأعمال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) سابقاً عن قلقه من أنه «تكاد توجد حكومتان الآن». وناقش مكلوفلين هذه المعضلة بنفس الضيق الذي تحدث به العشرات من مسؤولي الاستخبارات السابقين الذين تحدثت إليهم منذ أداء الرئيس وإذعانه أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاثنين.
إذن كيف يتعامل رؤساء الاستخبارات الحاليون مع هذا الموقف غير المسبوق؟ يعملون بحرص لكن على النحو الصحيح ويحاولون تحقيق توازن بين واجباتهم تجاه الرئيس واليمين التي أدوها وقسمهم بأن يحموا الدستور ويدافعوا عنه. لا يزال المسؤولون يخدمون الرئيس المنتخب لكنهم يصدرون إشارات بأنهم يعملون لصالح الشعب الأميركي.
وقد واجه دانييل كوتس مدير الاستخبارات الوطنية الرئيس ترمب، الاثنين، بعد ساعات قليلة من موقف بدا خلاله الرئيس وقد قبل بإنكار بوتين التدخل في انتخابات عام 2016. ويبدو أن كوتس رأى من الضروري أن يقدم مجتمع الاستخبارات رداً فورياً.
وأبدى مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) كريستوفر راي قدراً مشابهاً من الاستقلالية هنا الأربعاء أثناء منتدى أسبين للأمن، وقال إن التحقيق الجاري بخصوص روسيا «ليس مجرد محاولة تصيد» مثلما يقول الرئيس ترمب، وأكد أن «روسيا حاولت التدخل في الانتخابات الأخيرة و... لا تزال متورطة في عمليات شريرة لممارسة نفوذها حتى يومنا هذا».
ويبدو الازدراء الذي أظهره الرئيس بوتين تجاه الولايات المتحدة ملمحاً استثنائياً في قصة التجسس هذه. في هلسنكي أكد بوتين علانية على دعمه لترمب وتحاشى سؤالاً حول ما إذا كان يملك معلومات يمكن أن تضر به. وخلال اجتماعهما الخاص طلب بوتين من ترمب مساعدته في استجواب سفير أميركي سابق، هو مايكل مكفول، ووعد ترمب بدراسة الأمر.
كان بوتين الضابط السابق في الاستخبارات السوفياتية (كيه جي بي) قد وصف نفسه بأنه خبير في التعامل مع الأشخاص تبعاً لما ذكره دانييل هوفمان الرئيس السابق لمحطة «سي آي إيه» في موسكو.
ويبدو أن بوتين يعي جيداً كيفية التعامل مع ترمب، الأمر الذي دفع بعض المراقبين لتوقع بأنه ربما يكون ترمب عميلاً روسياً خاضعاً للسيطرة. ويبدو هذا أمراً غير صحيح بالنسبة لي لأسباب منها أن الروس لن يسمحوا لعميل حقيقي أن يعرض نفسه لمخاطرة أن يكشف عن نفسه بهذه الدرجة الكبيرة. وقال رئيس سابق لعمليات «سي آي إيه»: «إنه ليس عميلاً خاضعاً للسيطرة لأنه لو كان كذلك لكانوا أخبروه كيف يتصرف حتى لا يعرض نفسه للخطر».
لا، الرئيس الأميركي وضعه مختلف. إن ما يقدمه ترمب لروسيا ليس المعلومات التي بحوزته وإنما دوره في تقويض العلاقات مع الحلفاء والشركاء التجاريين التقليديين لأميركا.
إذن ما الاختلاف الذي سيطرأ على عالم الاستخبارات بعد الأداء الصادم لترمب الأسبوع الماضي؟ ربما ليس الكثير. وكالات الاستخبارات بطبعها تتميز بالصمود وعادة ما «تتكيف مع المستجدات» مثلما كان يقول مدير «سي آي إيه» الأسطورة ريتشارد هيلمز. ولا يزال الرئيس العميل الأول الذي تخدمه الوكالات الاستخباراتية ولا يتخيل أحد حتى أعتى عناصر عالم الاستخبارات حجب معلومات عنه. ربما سيصبح المسؤولون أكثر حذراً بمعنى أن يطلعوا على التفاصيل الحساسة مستشار الأمن الوطني أولاً أو أن ينبهوا الرئيس إلى أنه من الأفضل ألا يعلم كيف جرى الحصول على معلومة بعينها.
وماذا عن العملاء الذين يخاطرون بأرواحهم في موسكو أو بكين الآن بتجسسهم لصالح أميركا؟ هل سيتراجعون الآن؟ مرة أخرى ربما لا. إن لدى الجواسيس أسباباً عميقة بعضها إيجابي وبعضها سلبي تدفعهم للعمل لصالح أميركا ويعون جيداً المخاطر التي يقبلون عليها. إلا أن العملاء الذين ساعدوا أميركا لأنها تمثل نموذجاً مختلفاً عن نظام بوتين الاستبدادي فربما يعيدون النظر في حساباتهم. وهنا التكلفة الاستخباراتية الخفية لرئاسة ترمب: إننا أصبحنا أمة تحظى بإعجاب أقل عالمياً.
هل ستحد الاستخبارات الأجنبية المتعاونة معنا وتتشارك معنا في معلومات استخباراتية حساسة من هذا التعاون؟ من جديد ربما لا. إن العلاقات بين «سي آي إيه» و«إف بي آي» والوكالات الأخرى ووكالات استخبارات أجنبية تعود إلى عقود ماضية كثيرة. لكن إذا استمر ترمب في الحديث عن الاتحاد الأوروبي كخصم ومضى في محاولة تقويض السياسيين البريطانيين أو الألمان الذين لا يروقون له فإن هذا الوضع ربما يتبدل في النهاية. ومع هذا يبقى شركاؤنا الأجانب في حاجة إلى المعلومات الاستخباراتية الأميركية مهما بلغ مقتهم للرئيس ترمب.

* خدمة «واشنطن بوست»