محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

هذه مواطن ضعفي!

حينما يقول أحدنا لزملاء عمله أو أصدقائه، هذه نقطة ضعفي أو أود أن أصحح إحدى المعلومات التي ذكرتها أمس، فهو بطريقة غير مباشرة يقنعنا بأن كل ما ذكره آنفاً كان صحيحاً ما عدا تلك المعلومة. هذه ليست تمثيلية وإنما تصرف كشفت دراسات عدة قوته في كسب ثقة الناس، وإن كان البعض يمارسه بصور بعيدة عن الأمانة.
ومن أشهر الإعلانات في عالم التسويق الذي طبق ذلك المفهوم ما يروى عن سيارة الزعيم النازي هتلر «الفولكس»، حيث ذكرت شركتها في إحدى إعلاناتها الشهيرة بأن عيبها يكمن في قبح شكلها. غير أن هذه العبارة أسهمت في رفع مصداقية الشركة في أعين متلقي الإعلانات لما قالت بعدها بأنها سيارة اقتصادية في استهلاك الوقود وأن سعرها زهيد، وفي متناول الجميع.
وهذه الفجوة في طبيعة النفس البشرية، على ما يبدو، ولا ينتبه إليها كثير من الناس، إلا أن شركات معتبرة تستخدمها وتؤثر فينا من دون أن نشعر. مثل إحدى شركات مستحضرات التجميل التي قالت في شعارها «نحن الأغلى لكنك تستحق»، أي تستحق التمتع بالغالي.
وهي إشارة تذكرك كمتلقٍ بألا تبخل على نفسك. وكذلك إحدى شركات تأجير السيارات التي أطلقت شعارها الشهير: «نحن في المرتبة الثانية لكننا نبذل قصارى جهدنا»، وكأنه تنويه غير مباشر لكنه مقنع يوحي بأنك إن لم تكن في المقدمة فحتماً ستبذل كل ما بوسعك للتفوق، لا سيما أنه لا يحول بينك وبين المرتبة الأولى سوى خطوة واحدة.
الأمر ليس مرتبطاً بالدعايات، بل حتى في أروقة المحاكم الجادة والمنصفة بطبيعتها، إذ تبين أن الناس تميل إلى من يعترف بمواطن ضعفه بدرجة أو بأخرى. وهذا ما قدمه لنا الباحث في علم السلوك كيب ويليامز وزملاؤه، إذ لاحظوا أن هيئة المحلفين حينما سمعوا محامياً قد ذكر أحد عيوب الحالة التي يدافع عنها أمام القاضي، قبل محامي الخصم، اعتبرته هيئة المحلفين «جديراً بالثقة» وكانوا أكثر ميلاً لقضيته من خلال حكمهم أو شهادتهم لاحقاً، وفق النظام القضائي الأميركي، وذلك بسبب انطباعهم عن أمانته.
شخصياً، وإن كنت أعرف هذه الدراسات ما زلت أرى أنني مثل غيري في لقاءات تعيين قياديين أو مديرين أميل إلى تلك الصراحة. وللهروب من هذا الفخ أحاول أن أتحدى المتقدم للوظيفة بأسئلة تفصيلية أكثر أو أشعره تلميحاً مثلاً (من دون إحراج) بأن من زعم أنهم يثنون عليه بأننا على صلة بهم وما شابه من أمور لمحاولة جر المرشح إلى جادة الوضوح والمصداقية بالتأني فيما يقول لأعضاء اللجنة.
هذا كله يشير إلى أننا كبشر نتأثر بكلمات الناس مهما أوتينا من خبرة وتجارب ومعلومات، خصوصاً إذا كان الشخص يعترف أمام الملأ بمواطن ضعفه. مثل تلك القيادية اللامعة التي سطرت في مجلة «هارفارد» أكبر أخطاء مهنية ارتكبتها في حياتها الوظيفية. فما زال ذلك المقال الشجاع غائراً في ذاكرتي، ربما بسبب جرأة الاعتراف بمواطن الضعف في أشهر مجلة من نوعها في العالم.