روبرت فورد
السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن
TT

قمة هلسنكي وتشكيل لجان مشتركة لحل القضايا العالقة

تُعقد في هلسنكي، غداً، أول قمة تجمع قادة الولايات المتحدة وروسيا في ثماني سنوات، منذ القمة الأخيرة التي التقى فيها الرئيس فلاديمير بوتين بنظيره الأميركي باراك أوباما. ولم يلتقِ الرئيس الروسي بنظيره الأميركي دونالد ترمب سوى على هامش المؤتمرات الدولية ولفترات زمنية وجيزة.
وتأتي القمة المرتقبة في أعقاب حالة التوتر الراهنة، ما بين الرئيس الأميركي والبلدان الأوروبية وكندا في قمة مجموعة الدول السبع التي شهدها شهر يونيو (حزيران) الماضي في كندا. وتأتي قمة هلسنكي أيضاً في أعقاب اجتماعات عسيرة شملت الرئيس ترمب وقادة دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) في بروكسل؛ إذ لوح الرئيس ترمب بأن الولايات المتحدة ستتصرف بطريقتها الخاصة إذا لم يتحمل أعضاء الحلف الآخرون المزيد من الأعباء المالية للحلف. ولا يعلم أحد ما الذي يعنيه الرئيس الأميركي بذلك: فهل سينسحب الرئيس ترمب من عضوية «حلف شمال الأطلسي»؟
ولا تواجه الولايات المتحدة المشكلات مع أعضاء حلف «ناتو» والشركاء التجاريين في أوروبا، والمكسيك، وكندا، والصين فحسب. وإنما هناك مشكلات أخرى كبيرة مع روسيا كذلك. ومن أهم هذه المشكلات الاتهامات بتدخل الاستخبارات الروسية في الانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2016. وما يُضاف إلى ذلك، ترفض الولايات المتحدة تماماً الاستيلاء الروسي على شبه جزيرة القرم، وتدخلها العسكري السافر شرق أوكرانيا. وهناك عقوبات أميركية اقتصادية صارمة ضد روسيا بسبب التصرفات الروسية الرعناء في شبه جزيرة القرم وأوكرانيا. كما انتهكت روسيا أيضاً اتفاقية الصواريخ النووية لعام 1987 من خلال بناء نوع جديد من صواريخ «كروز». وهناك مخاطر حقيقية من اندلاع سباق جديد في مضمار الصواريخ النووية كمثل ما شهدته حقبة الحرب الباردة من قبل.
وإضافة إلى ذلك، صرح قائد القوات الأميركية في أفغانستان في مارس (آذار) الماضي بأن روسيا توفر إمدادات السلاح إلى حركة «طالبان» التي تقاتل القوات الأميركية والقوات الحكومية الأفغانية. وبطبيعة الحال، ليس هناك اتفاق كامل بين الجانبين الأميركي والروسي بشأن الأزمة السورية.
وبعض الشخصيات في الولايات المتحدة، لا سيما من دوائر الحزب الديمقراطي، إلى جانب كثير من المسؤولين والمراقبين في أوروبا، مع اعتبار حزمة الخلافات الكبيرة مع روسيا، يتساءلون: لماذا وافق الرئيس الأميركي على مقابلة نظيره الروسي؟ والإجابة بسيطة للغاية: يحمل الحزب الجمهوري الأميركي «الحالي» وجهات نظر مغايرة تماماً حيال روسيا عما كان يحمله الحزب في عهد الرئيس الراحل رونالد ريغان أو حتى الرئيس السبق جورج دبليو بوش، عندما كانت أغلب الدوائر الجمهورية في أميركا تنظر إلى موسكو من زاوية الخصومة. وفي استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب»، الأسبوع الماضي، يعتقد 40 في المائة من المواطنين الأميركيين الجمهوريين أن روسيا صديقة أو حليفة، وكانت النسبة المسجلة لا تتجاوز 22 في المائة في عام 2014.
ولقد قال الرئيس ترمب في حشد سياسي بولاية مونتانا في 5 يوليو (تموز) إن «بوتين بخير، إنه بكل خير». وكان ترمب يريد، إبان حملته الانتخابية لعام 2016، ومن وقت لآخر، تحسين العلاقات مع روسيا. وفي الوقت نفسه كان يوجه الانتقادات اللاذعة إلى الحلفاء التقليديين مثل ألمانيا وكندا.
وليس من المستغرب، وفقاً لذلك، حالة التوتر العامة التي خيمت على كثير من الناس في واشنطن وغيرها من العواصم الأوروبية الأخرى لأن بوتين، الذي كان يرأس الاستخبارات الروسية قبل توليه رئاسة الاتحاد الروسي، يدرك حدود خبرات الرئيس ترمب واهتمامه بجذب انتباه مختلف وسائل الإعلام العالمية.
وبعد القمة التي جمعت الرئيس الأميركي بنظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون في يونيو الماضي، أشادت كوريا الشمالية بالرئيس الأميركي لاجتماعه مع زعيمهم. ونقلت وسائل الإعلام تلك الإشادة على أوسع نطاق. وكان الرئيس ترمب مسروراً بذلك وتعهد بإلغاء المناورات العسكرية المشتركة، التي كانت مقررة، وذلك من دون مشورة القادة في سيول في كوريا الجنوبية. ولم يصدر على الجانب الكوري الشمالي تنازل مماثل خلال زيارة الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأخيرة إلى بيونغ يانغ.
والقلق السائد الآن يدور حول ما يعتزم الرئيس ترمب تقديمه إلى فلاديمير بوتين، مثل اعتراف الولايات المتحدة بالسيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم، أو التعهد برفع العقوبات الاقتصادية عن موسكو. ومن شأن تنازل كهذا أن يسبب صدمةً كبيرةً لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ويدفع أعضاء الحلف من بلدان أوروبا الشرقية إلى النظر في ترتيبات أمنية جديدة خارج مظلة الحلف.
وسوف يعتبر هذا تقدماً، إن لم يكن انتصاراً استراتيجياً هائلاً بالنسبة لفلاديمير بوتين. فما الذي يريده دونالد ترمب في المقابل؟ يخشى بعض المراقبين في واشنطن أن ترمب على استعداد لتقديم مرونة في مقابل وعود غير واضحة بشأن ضغوط يمارسها بوتين على إيران لتخفيض وجودها العسكري في سوريا، إلى جانب العناوين الإعلامية الهائلة بالصفقة الأميركية - الروسية الكبيرة. وبطبيعة الحال، لا تحتلّ سوريا الأهمية ذاتها التي تحتلها أوروبا بالنسبة للمصالح الأميركية. وبالإضافة إلى ما تقدَّم، ليس بمستطاع الروس السيطرة على كل شيء تفعله إيران داخل سوريا.
وكان المستشار الإيراني علي أكبر ولايتي في موسكو بتاريخ 11 يوليو الحالي وصرح بأن مباحثاته مع بوتين توصف بـ«الممتازة». فإن كانت الإدارة الأميركية تعتقد أن قمة هلسنكي تتعلق بمحاولة وضع روسيا وإيران على خط المواجهة المباشرة، فستسفر القمة عن خيبة أمل تماماً كما تتزايد رقعة خيبة الأمل في واشنطن بشأن قمة سنغافورة الأخيرة.
ورغم ذلك، إن انتهت قمة هلسنكي بمجرد الموافقة على تشكيل مجموعات العمل الثنائية من خبراء البلدين لمحاولة إيجاد الحلول للمشكلات القائمة مثل أوكرانيا، وشبه جزيرة القرم، والأسلحة النووية، والصراعات الإقليمية، فقد تشيع حالة من الارتياح في أوساط نقاد الرئيس ترمب في كل من واشنطن وأوروبا. ولن نحصل على العناوين الإعلامية الرنانة جراء ذلك بكل أسف، لكن ربما سيتوفر لدينا قدر معتبر من الدبلوماسية الجادة والمفيدة لكل الأطراف المعنية.
* السفير الأميركي الأسبق لدى سوريا والجزائر
خاص بـ«الشرق الأوسط»