د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

كيف كسب ترمب ثقة الأميركيين؟

منذ أن بدأت تلميحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالحرب الاقتصادية وحتى هذا الوقت، والانتقادات والاتهامات تطاله بكل ما هو مسيء له على نطاقات عدة؛ فقد وصف ترمب باستغلاله الشعوبية للحصول على مقعد الرئاسة بشعاره المشهور «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، مستمرّاً بعدها بإظهاره لأميركا بأنها مستغلة اقتصادياً من دول الاتحاد الأوروبي والصين لتبرير هذه الحرب الاقتصادية. كما أنه وُصِف بالجهل من قبل كثير من الاقتصاديين الذين يرون أنه يحاول تطبيق فلسفته في أعماله الخاصة على مستوى الاقتصاد العالمي، وتقوم فلسفة ترمب في أعماله على ضرب المنافسين بقوة حتى يخنعوا له، وهي فلسفة قد تصلح على صغار المنافسين، لا على دول تمتلك خيارات عدة. كما تم تقزيم النظرة الاقتصادية لترمب من محللين آخرين، باختزال نظرته الاقتصادية بـ«مَن يمتلك فائضاً تجارياً أكبر»، وهي النظرة التي يفسرون بها حرصه على فرض التعرفة الجمركية المرتفعة على الصين ودول الاتحاد الأوروبي.
وكثرت الاتهامات للرئيس الأميركي من جهات عدة حتى وُصِفت سياسته الاقتصادية أنها تصلح لستينات القرن الماضي حين كان يمكن للدول تنشيط صناعاتها بمنع الواردات. فكيف للشعب الأميركي أن تغيب هذه الاتهامات عن نظره؟ وكيف لهم الصبر على رئيس تشير أصابع الاتهام إليه بأنه يقود الاقتصاد الأميركي إلى الهاوية؟ حتى وإن كان مستغلاً - كما يقول أعداؤه - للموجة الشعوبية في كسب تأييد الشعب الأميركي.
لعل توقيت هذه الحرب الاقتصادية خدم الرئيس الأميركي بشكل كبير ضد معارضيه؛ ففي الوقت الحالي، تشهد أميركا أقل نسبة بطالة منذ عقدين من الزمن. ويبلغ معدل توفر الوظائف في عام 2018 في أميركا ما يقارب 215 ألف وظيفة شهريّاً، وهذا ما يعني أنه حتى وإن فقد شخص ما وظيفته بسبب الحرب الاقتصادية، فإنه لن يصعب عليه الحصول على عمل آخر في ظل توفر الوظائف بهذا الشكل. كما أنه، وعلى الرغم من كثرة الحديث عن الحرب الاقتصادية، فإن الأسعار في الولايات المتحدة لم تزد بشكل ملحوظ خلال هذه الفترة، وحتى أسواق الأسهم لم تتأثر بشكل يتناسب مع الحملة الإعلامية العالمية المصاحبة لهذه الحرب، أي أنه ومن وجهة نظر الشعب الأميركي، فإن هذه الحرب الاقتصادية فعلاً تبدو في مصلحة الشعب الأميركي، مع انخفاض نسبة البطالة واستقرار الأسعار والأسواق المالية، لذلك فالحرب الاقتصادية تبدو لهم سهلة الفوز كما صرح ترمب من قبل.
كما أن البيت الأبيض نفسه يقوم بالتشديد على هذه الأرقام بشكل مستمر لكسب ثقة الشعب الأميركي، موضحاً أن الصين والاتحاد الأوروبي سيتضرران بشكل أكبر من الولايات المتحدة من هذه الحرب، وأن توقيت هذه الحرب يأتي في وقت يستطيع فيه الاقتصاد الأميركي تحملها. بل إن مسؤولاً في البيت الأبيض أوضح أن لدى الصين كثير مما تخسره في هذه الحرب الاقتصادية، وأن اقتصادها يعتمد على الصادرات بشكل أكبر من الاقتصاد الأميركي.
ويؤكد البيت الأبيض على أن هذا التوقيت مناسب تماماً للحرب الاقتصادية ضد الصين، لأنها في هذا الوقت تعتمد وبشكل كبير على شراكتها مع الولايات المتحدة، ولن تملك خياراً إلا الخضوع للرسوم الأميركية، ولو حدث هذا الأمر بعد عدة سنوات، فسيكون لدى الصين الخيار بحكم أنها بدأت فعلاً في تقليل اعتمادها على التصدير لأميركا، إلا أن هذا التنويع لن يأتي أكله إلا بعد أعوام من الآن.
وإضافة إلى ذلك، فإن الرئاسة الأميركية وضحت لكثير من المستثمرين أن بعض الواردات الصينية سوف تُستثنى من هذه الرسوم بحكم كون الصين الموفر الوحيد لهذه البضائع، وهو أيضاً ما فيه كسب لثقة المستثمرين الأميركيين، أن هذه الحكومة الأميركية سوف تحميهم من أضرار هذه الحرب.
جميع هذه المعطيات توضح أن الرئيس الأميركي ليس بالحماقة التي ينعته بها معارضوه، ولو كان كذلك لما تحسن الاقتصاد الأميركي خلال فترته الرئاسية، حتى وإن زعم معارضوه أن هذا التحسن أتى بفضل السياسة الاقتصادية للرئيس السابق باراك أوباما، فالواقع أن نسبة كبيرة من توفر الوظائف في الولايات المتحدة كان بسبب قرار ترمب بتخفيض الضرائب على الشركات والمصانع الأميركية، الذي كان يهدف إلى عودة الشركات والمصانع الأميركية إلى الولايات المتحدة، وقد نجح هذا القرار بشكل واضح حتى الآن، ولكن ما يقلق الرئاسة الأميركية في هذا الوقت أن النتائج المتوقعة لهذا القرار قد تستمر لعام أو يزيد من الآن، وسيعود بعدها الوضع لما كان عليه، وحينها يجب على الرئيس ترمب إيجاد حافز آخر للاقتصاد الأميركي، لا سيما أن ذلك الوقت يتزامن مع بداية الانتخابات الرئاسية، التي يراهن فيها ترمب على نجاح سياسته الاقتصادية.