ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

هل تشرع أميركا في بناء خدمة عسكرية جديدة؟

أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الفترة الأخيرة الكثير من المفاجآت المدوية، لدرجة أن الأميركيين ربما لم يلتفتوا إلى المفاجأة ذات التأثير الأكبر على المدى الطويل، على صعيد الأمن الوطني للولايات المتحدة الأميركية ـ كان الرئيس دونالد ترمب قد بعث مؤخراً إلى البنتاغون توجيهاً يقضي بالشروع في بناء خدمة عسكرية جديدة أطلق عليها «قوة الفضاء.»
وبالتأكيد تحمل هذه الفكرة الجديدة الطابع المميز للتوجه العام للرئيس دونالد ترمب: فهي ضخمة وجريئة، وتحمل بريقاً يذكرنا بأفلام هوليوود، وتشكل تحولاً كبيراً عن الوضع الراهن، في الوقت الذي تفتقر الفكرة إلى تخطيط تفصيلي بخصوص التنفيذ.
ومع هذا، أعرب الكثير من الخبراء عن اعتقادهم بأن تنقيح فكرة بناء دفاعات فضائية يبدو أمراً منطقياً، وإن كانوا قد حذروا في الوقت ذاته من أن هذا الأمر يستلزم عقد نقاش عام حول كيفية الحصول على أقصى استفادة من وراءها بأقل تكلفة ممكنة.
من جانبه، كان الرئيس دونالد ترمب واضحاً في الخطاب الذي ألقاه في 18 يونيو (حزيران) الماضي أمام المجلس الوطني للفضاء، عندما قال: «إنني الآن أصدر توجيهاتي إلى وزارة الدفاع... للشروع على الفور في العملية الضرورية لبناء قوة فضائية باعتبارها الفرع السادس لقواتنا المسلحة... بحيث تكون منفصلة عن، لكن مكافئة لـ»القوة الجوية».
ولعلمه أن البنتاغون يرفض الفكرة، تحول الرئيس دونالد ترمب بعد ذلك بحديثه إلى الجنرال جوزيف إف. دنفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة، قائلاً: «هل فهمت ما أعنيه؟» وأجاب دنفورد: «فهمنا.»
من جانبه، يخشى البنتاغون من أن يؤدي إطلاق خدمة عسكرية منفصلة تعنى بالفضاء إلى إشعال حروب بهدف بسط السيطرة، الأمر الذي شكل عنصراً متكرراً في التاريخ العسكري الأميركي. وغالباً ما تتبع هذه المنافسات والمشاحنات ظهور تكنولوجيات جديدة.
جدير بالذكر أن القوة الجوية خرجت من شرنقة جيش فقط بعد الحرب العالية الثانية. وعندما شهدت تكنولوجيا الصواريخ تقدماً كبيراً خلال عقد خمسينيات القرن الماضي، أصر الجيش الأميركي على أنها تشكل نمطاً من المدفعية، وينبغي السيطرة عليها من قبل متخصصين بمجال الصواريخ الباليستية، بينما أصرت القوة الجوية الأميركية أنها جزء من مجال الطيران. وافترضت القوة الجوية أن الفضاء يدخل في نطاق مسؤولياتها، حتى الأسبوع الماضي.
وحذر جون هامري، النائب السابق لوزير الدفاع الأميركي والذي يترأس مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية من أن هذا: «يعني خلق تشاحنات بيروقراطية لا نهاية لها على مدار السنوات الخمس المقبلة.» ومع ذلك، يعتقد هامري والكثير من كبار مسؤولي البنتاغون الآخرين أن بعض التغييرات من شأنها تعزيز القدرات بمجال حروب الفضاء بعد أن أفسدتها القوة الجوية.
من جانبه، أشار النائب جيم كوبر (ديمقراطي)، الذي انضم إلى النائب مايك دي. روجرز(جمهوري)، العام الماضي في تحرك من قبل أعضاء عن الحزبين داخل مجلس النواب لخلق قوة فضاء شبه مستقلة داخل إطار القوة الجوية، إلى أنه: «أهدرتنا الميزة التي نتمتع بها بمجال الفضاء. لقد استمرت القوة الجوية الأميركية على مدار عقد دون أنظمة دفاعية للأقمار الصناعية، بعد أن أصبح التهديد العسكري لها واضحاً.»
من ناحيته، أسهم البنتاغون في تدمير فكرة قوة الفضاء شبه المستقلة منذ عام مضى. وأرسل وزير الدفاع جيمس ماتيس خطاباً إلى قيادات الكونغرس أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قال فيه: «إنني أعارض بناء خدمة عسكرية جديدة، وإضافة مزيد من الطبقات التنظيمية في وقت نركز على دمج المهام القتالية مع بعضها البعض.»
ومع هذا، مضى ترمب في الضغط لإقرار مشروعه المتعلق بالفضاء. ومن بين أنصار هذا المشروع كان نائب الرئيس بنس، رئيس المجلس الوطني للفضاء وأحد المتحمسين لصواريخ الفضاء، والذي يقال إنه اصطحب أسرته إلى فلوريدا لمشاهدة عمليات إطلاق صواريخ فضاء من جانب وكالة «ناسا.» ومن المؤيدين كذلك نيوت غنغريتش، الرئيس السابق لمجلس النواب، والذي مثل الرئيس ترمب يطرح من حين لآخر أفكار مثيرة للجدل.
وخلال مقابلة أجريت معه هاتفياً مؤخراً، توقع غينغريتش أنه: «إذا نجح الرئيس ترمب في اختراق صفوف الهيكل البيروقراطي، فإن هذا الأمر قد يتحقق في غضون عقد»، بل وربما بحلول عام 2020. وقال غينغريتش الذي يحضر بصورة غير رسمية اجتماعات مجلس الفضاء إنه تحدث إلى الرئيس دونالد ترمب حول الفكرة، لكن يبقى الحماس الأكبر تجاهها من جانب الرئيس.
من ناحيتها، كانت القوة الجوية تأمل في اختفاء هذا الاقتراح. وبعد شهور عديدة في حالة إنكار، تبدو القوة الجوية اليوم خارج العناصر المعنية بالتخطيط للقوة الجديدة، «لكن هذا الأمر سيحدث حتى رغم عدم مشاركتهم»، حسبما أكد تود هاريسون، مدير شؤون دراسات الفضاء لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
* خدمة «واشنطن بوست»