د. أحمد عبد الملك
كاتب واكاديمي قطري
TT

هل تُولد «دواعشُ» جديدة؟!

أعمال العنف التي تجري في مناطق عدة من العالم العربي توحي بأن دائرة العنف سوف تتسع، وهذا يعني المزيد من الانقسامات والتشظيات والانتقامات. وحتى اللحظة لم يتولد موقف خليجي واضح من الأحداث في كل من سوريا والعراق، باستثناء البيانات (التمنيات) حول وحدة كلا البلدين وعدم تمزيقهما. الإشكالية واضحة أكثر في العراق، حيث ضاق الخليجيون ذرعًا بسياسات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وانحيازها الواضح في سياسة التميّز والفصل الطائفي ضد العراقيين السنة في الوقت الذي يرى فيه الخليجيون أن المالكي ما هو إلا أداة في يد إيران، وهي أداة «طالت وشمّخت»، كما نقول في المثل الخليجي. والخليجيون في ذات الوقت مُحرجون! فهم وإن كانوا يؤيدون (وقلوبهم وسيوفهم) مع ثورة العشائر (السنية)، إلا أنهم في ذات الوقت لا يُقرون أعمال العنف والقسوة التي يقوم بها عناصر الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وخصوصًا أن هذه الأخيرة قامت ببث صور القتل الجماعي الوحشي ضد إخوانهم العراقيين. لذلك أعلنت الرياض «داعشَ» تنظيمًا إرهابيًا، وأن أي تأييد من قبل أي طرف سوف يُقابل بحكم القانون، بالسجن لوقت غير قصير. ويفرق خليجيون بصورة واضحة بين تأييدهم لانتفاضة العراقيين السنة، وما يأتيه عناصر «داعش» من أعمال تتعارض مع مبادئ الدين الإسلامي وسماحته.
الإشكالية أن كثيرين لا يدركون مدى حجم التنظيم الذي بدأ يتمدد أفقيًا ليس في الأراضي العراقية فحسب، بل في وسائل التواصل الاجتماعي وبدأ عناصر يرسلون رسائل تحذيرية ضد كل من يتناول التنظيم بشكل سلبي، ويحكمون عليه بقطع رأسه وتدمير حياة أسرته.
فهل يمكن أن ينتج عن هذا الموقف الخليجي صدامٌ بين ثورة العشائر و«داعش»، وكلاهما سني المذهب؟ وهنا ستقف القوى الأخرى متفرجة كي يُنهك الفريقان، وتقوى تلك القوى، وبذلك تتأكد نظرية (ضعف السنة) في العراق، وبأن هذا البلد لن يحكمه إلا حكم شيعي، مهما كان تطرفه وعدم اعتداله، ومهما أذعن تحت «العمامة» الإيرانية.
دول الخليج ترفض أي تدخل أجنبي في العراق، وتؤيد وحدة أراضيه ضمن عراق يحتضن جميع العراقيين بكل أطيافهم السياسية والمذهبية والعرقية! ولكن الحال على الأرض أبعد من ذلك الرفض وذاك الأمل! وأن التمدد - لكل الأطراف على الأرض - يجعل وصول هذا البلد إلى بر الأمان قريبًا ضربًا من المستحيل.
ولقد أصدرت مملكة البحرين تعليمات لرجال الدين والدعاة بعدم الخوض في المسائل السياسية على المنابر، وقد تحذو دول خليجية أخرى هذا الحذو، ولو بصمت، خصوصًا في شهر رمضان، الذي يعتبره المسلمون موسم التوجه الخاص لله، ونبذ العنف وعدم قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، وعدم إقحام السياسية في مناسكه.
الإشكالية أيضا أن تظهر «دواعش» أخرى في العالم العربي! وهنا سوف يُسقط في أيدي كل الذين يعارضون توجيه ضربات أميركية محددة لتجمعات عناصر «داعش» في العراق، كما طلب المالكي من جون كيري وزير الخارجية الأميركي عندما زار العراق مؤخرًا. لكن كيري لم يأخذ القضية على محمل الجد، متجنبًا التصريح بالموقف الأميركي، ومتعللا بأنه «يجب أخذ الحيطة والحذر لضمان أن الضربات لن تؤذي مدنيين»، أو أن تلك الضربات ستُفسر عن أن الأميركيين ضد «السنة»، وبالطبع سيُفسّر موقفهم هذا على أنه تأييد لحكومة المالكي. ويبدو أنه (كيري) تناسى تلك الضربات المتكررة للطائرات من دون طيار على مناطق (القاعدة) في اليمن والتي يُقتل فيها أبرياء كذلك.
إشكالية أخرى، أن أصابع «داعش» ممتدة إلى أبعد من العراق! وخصوصًا بعد إعلانها مسؤوليتها عن الانفجار الانتحاري الذي وقع في أحد فنادق بيروت الأسبوع الماضي، وأن الشخص الذي قُتل أثناء مداهمة قوات الأمن اللبنانية لغرفته في الفندق ينتمي إلى «داعش». وتوعد بيانٌ من «داعش» بأن ما حدث «هو أول الغيث، فأبشروا بالمئات من الاستشهاديين والانغماسيين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون». وجاء هذا البيان بعد أيام قليلة من بيان لكتائب عبد الله عزام المرتبطة بـ«القاعدة» حذّرت فيه من الهجمات ضد أهداف شيعية في لبنان. وكان تفجير آخر قد حدث في جنوب العاصمة اللبنانية، مما أدى إلى مقتل انتحاري وضابط أمن، وأصيب في الحادث عشرون شخصًا كانوا في أحد المقاهي.
ماذا لو حدثت «انتحاريات» في عواصم أخرى من العالم العربي ما زالت آمنة ومستقرة؟ هل يعني هذا ولادة «قاعدة» حديثة ونشطة في المنطقة العربية؟ وهل فعلا ستنمو هذه «القاعدة» كي تصل إلى «الرأس»؟
ماذا يمكن لدول أن تفعل إن حدثت تطورات جديدة، وقامت قبائل تساند «داعش» من الداخل؟ وخصوصًا أن تلك القائمة تشمل ممولين من دول فقيرة تقتات على الإعانات العربية والدولية؟!
نحن نعتقد أن الأزمة مع «داعش» لا تسير في طريق الحل، وأن «داعش» لا تعني العراق وسوريا فحسب، وذلك ضمن ما نسمعه ونقرأه من بيانات؛ إن لم تكن مفبركة بالطبع. لذا فإن احترازات وقائية جماعية لا بد أن تُتخذ؛ وإن كانت «داعش» تمثل المذهب السني، ذلك أن إعلاناتها وأجندتها لا تتواءم مع الدول التي تحاول بناء هياكلها التنموية وإرساء الأمن والاستقرار لشعوبها. فالدول الإسلامية المعتدلة تُدين القتل العشوائي، وترفض الرجوع بالمجتمع الإسلامي إلى ما قبل 15 قرنًا من الزمان، وأن تدخل المرأة إلى بيت الطاعة، ورفض تعليمها وحقها في العلم والعمل. كما أن هذه الدول والمجتمعات - بما حققته من مكتسبات حضارية ومكانة سياسية واقتصادية واجتماعية وعلاقات مع المجتمع الدولي - لن تقوض ما بنته خلال أربعين أو خمسين عامًا، لتخاطب المرأة من خلف خلف حجاب.
إن مبدأ العنف مرفوض من أي طرف، ونحن وإن كنا نُدين ما قامت به قوات الجيش العراقي تحت سلطة المالكي ضد إخوانهم السنة، نحن في ذات الوقت نرفض لغة المجازر والانتقامات البشعة التي تلوّث صورة الثورة على الظلم، وتلوث المقاصد السامية للإسلام والتي تسعى لوضع الحق في نصابه، ونصرة المظلومين؛ لأن نصرة المظلومين لن تتأتى عن طريق إقامة الظلم على الآخر.
* كاتب وأكاديمي قطري