حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

«اللي بعده»!

قادت المرأة السيارة في السعودية، ودخل الموضوع إلى ذاكرة التاريخ. وهو مثله كالكثير من الموضوعات «الجدلية» التي أنهكت السعوديين قبل ذلك من إدخال الهاتف والبرق والتلفزيون والإذاعة وتعليم المرأة وعملها والسينما والترفيه. موضوع تلو اِلآخر تُطوى صفحاته للتفرغ للموضوع الذي يليه وبسرعة أدهشت أكثر المتفائلين.
هناك حقبة طويلة من الزمن دخلت السعودية فيها مرحلة السبات التاريخي؛ حقبة أعطت لنفسها «بنجاً كلياً» تخدرت فيه عن عصرنة المجتمع وأن تكون عنصراً متكاملاً في المجتمع الأممي الدولي. ولا تزال على «القائمة» موضوعات أخرى ولا شك كلها مجال بحث وحوار منذ فترة طويلة جداً من الزمن.
السعودية أنزلت «تطبيقاً» جديداً بنسخة محدثة لمجتمعها بدأنا نرى أوائل علاماته. الغرض بعيد المدى هو أن يتم تأسيس مجتمع حضاري ومدني، أساسه العدل والمساواة بين المواطنين كاف. تجمعهم جميعاً دولة المواطنة التي ينتمي إليها الكل بغضّ النظر عن أي هوية فرعية أخرى لها علاقة بالمنطقة أو المذهب أو القبيلة أو العرق. هذا هو الحلم المنشود، هذا هو الأمل الموعود.
طُويت صفحة سؤال قيادة المرأة السيارة في السعودية، طُويت بتحقيق القرار بيسر وسهولة نال تعاون ورضا وقبول وتجانس القيادة والشعب بشكل مثير وفريد أسقط فوراً كل الفزّاعات التي كانت تشكك في سلامة تطبيق القرار. طلبت مني إحدى قنوات التلفزة الغربية التي كانت تتابع الحدث الكبير في السعودية (كان الحدث هو الخبر الأول في صحافة العالم أمس كمعدل عام للأخبار) التعليق، قلت للمراسلة التي تواصلت معي، الخبر مهم وتاريخي ولا شك، ولكن الأهم أن السعوديين اليوم مهتمون بردم الفجوة الحضارية، بردم الهوة المدنية التي «حُفرت» على أسس من الخوف والقلق والشك والريبة. هناك طاقة من البناء والطموح والأمل يتم بها شحن المجتمع السعودي الشاب لكي يتطلع إلى الغد بروح الإثارة والتشويق، وتوديع الماضي والانطلاق إلى المستقبل. السعوديون واعون تماماً لكل تحدٍّ يواجههم، هم يعلمون أن تحديهم القادم هو تأسيس مجتمع مدني فيه حقوق وواجبات للجميع وعلى الجميع، وتُفتح فيه المجالات كلها لتحقيق العيش بكرامة وعدالة.
ملف الإصلاحات الاجتماعية الحاصل في السعودية لن يبقى في السعودية وحدها، فما يحدث في السعودية لا يبقى في السعودية، ولكنه سينتقل ليؤثر على بلدان أخرى بنفس الدرجات، فالسعودية بلد «ثقيل» ومحوري على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الموضوع أكبر من قيادة المرأة للسيارة في السعودية، الموضوع له علاقة بحالة من «الصلح» الاجتماعي الذي طال انتظاره.
موضوع تلو موضوع تتم معالجته بحزم. ولعل أبلغ تعليق سمعته عن سؤال وُجه لإبداء الرأي في موضوع قيادة المرأة للسيارة فكان الجواب «انتهينا منه. اللي بعده»!