خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

العسكر والسياسة في الغرب

من المعتاد للشعوب الغربية أن تنظر نظرة شك واستهجان لتولي الحكم من قبل العسكريين. يصدق ذلك بصورة خاصة على الإنجليز، فلم يسمحوا لأي ضابط في تاريخهم أن يتولى الحكم عليهم. ورغم كل ما أولاه الفرنسيون من تعظيم وإعجاب لذلك الضابط الكورسيكي، نابليون بونابرت، فإنهم بصورة عامة ظلوا يمقتون مطمح أي ضابط لدخول ميدان السياسة وتولي الحكم. وكان هذا من أسباب عرقلتهم للجنرال ديغول في سعيه لتولي الرئاسة. وإذا أفلح ضابط في تسلم السلطة، كما أفلح الجنرال ديغول، فإنك تراهم يسعون لصياغة شتى المقالب والتهم والتعليقات ضده.
على نحو ما واجه الجنرال ديغول من اعتراضات في القرن العشرين واجه المارشال ماكماهون في القرن التاسع عشر مثل ذلك. كانوا يتشككون بصورة خاصة في نياته في تغيير طبيعة النظام. راح المعترضون يروجون شتى الحكايات للتدليل على سذاجته وبساطته، بل وغبائه.
ذكروا أنه لتفادي حملة الاعتراض التي شنت ضده اضطر إلى إقالة صديقه الحميم، الجنرال دوكرو من قيادة القوات المسلحة فجاءه هذا ليعاتبه على سوء عمله وتفريطه في الصداقة القديمة. أجابه الرئيس المارشال قائلاً: «أيها العزيز، يا ليتك تتفهم الأمور على حقيقتها. أنت لا تدري ما هي السياسة وما تتطلبه من تضحيات كبرى ومن إهانات أضطر لابتلاعها في كل صباح. وقد كفاني ما عانيت...».
فهدأ روع الجنرال دوكرو فبادره الرئيس: «إذن فأنت تغفر لي واثبت ذلك بقبول تناول العشاء معي هذه الليلة». أجابه دوكرو: آه! هذا غير ممكن لأنني سأذهب لرؤية «ارناني وعلي أن أغير ملابسي».
«ارناني» اسم مسرحية مشهورة لفيكتور هوغو. أجابه الرئيس: «ارناني، ارناني، آه نعم. حسناً. اجلبه معك لنتناول العشاء ثلاثتنا سوية»!
وقال الرواة إن الرئيس مكماهون التفت صباح أحد الأيام إلى الكونت داركور، الأمين العام لقصر الإليزيه وسأله: كم الساعة الآن يا صديقي؟ فنظر هذا إلى الساعة الكبيرة المعلقة على الجدار وقال: إنها الحادية عشرة وعشر دقائق يا سيدي المارشال. فتوجه الرئيس المارشال إلى ضيوفه وقال إن «داركور هذا يعرف كل شيء»!
أما بالنسبة لسوء رأيه ورقاعته، فذكروا أنه ذهب يوماً لتفقد الجنود المرضى في أحد المستشفيات العسكرية ورفع معنوياتهم، فسأل إحدى الممرضات عن مرض أحد الجنود فقالت له إنه مصاب بالتيفوئيد. فتقدم إلى المريض وقال: «آه! حمى التيفوئيد، المصاب بهذا المرض يا ولدي إما سيموت بالمرض أو يفقد عقله ويبقى على قيد الحياة مجنوناً!»، فلما اضطربت ملامح الجندي وشحب لونه ذعراً، سارع إلى القول لطمأنته فقال: «لا تقلق يا صديقي. فأنا الذي أخاطبك أصبت قبلك بالتيفوئيد».