يفضل بنك التسويات الدولية، الذي يتخذ من سويسرا مقراً له - والذي يوصف في أغلب الأحيان بأنه بنك البنوك المركزية - النظام، والتكنوقراطية، وليس إشعال المشاكل وإثارة الفوضى. وبالنظر إلى انخفاض سعر عملة الـ«بيتكوين» وتبخر معدلات التداول، فإن التقرير الصادر عن البنك في 24 صفحة بشأن العملة الرقمية سوف يتلاشى تماماً بمرور الوقت.
ولكن في خضم كل هذا السخط وأسبابه المنطقية، كان هناك شيء ما مفقود: ما الذي يقترحه بنك التسويات الدولية تحديداً بشأن تنظيم العملات الرقمية؟
إن التحذير الشديد بشأن «بيتكوين» واختراقها للإنترنت هو ما يجعلها مثيرة للقلق. ولكن للوصول إلى هذه النقطة، فإن الطلب على العملة الرقمية ينبغي أن يتطابق مع نظم الدفع السائدة. ومن غير المرجح أن يحدث ذلك قريباً على أي حال.
والأهم من ذلك هي المخاطر المباشرة للاحتيال والجريمة. ولقد تم تلخيص ذلك على نحو جيد للغاية من قبل رئيس بنك التسويات الدولية أوغسطين كارستينس في فبراير (شباط) الماضي، عندما وصف «البيتكوين» بقوله: «مزيج من الفقاعات، ومخطط احتيالي، وكارثة بيئية». وتكررت لفظة احتيالي في تقرير بنك التسويات الدولية لتوصيف العروض الأولية الاحتيالية للعملة والتي ذاع صيتها في عام 2017.
وعلى الرغم من التحليل الواضح للتهديد، يبدو أن رؤى محافظي البنوك المركزية تتضارب بشأن ما ينبغي فعله حيال ذلك. وتحتاج العملة الرقمية العالمية فعلاً إلى إشراف دولي كبير لتفادي التحكمات الرقابية عبر الحدود. غير أن صناع السياسات يسيرون في مسارات مختلفة، مع الصين التي بدأت في تداول العملات الرقمية، واليابان التي شرعت في اعتمادها، وأوروبا التي تحتل مكاناً وسطاً بينهما.
ولم تسفر محاولة مجموعة العشرين، في العثور على سبب شائع، عن تحريك الأمور كثيراً. وحذر بيان صادر في وقت سابق من العام الحالي من مخاطر التهرب الضريبي وغسل الأموال ذات الصلة بالعملات الرقمية، ولكن البيان لم يتمكن إلا من توجيه نداء خافت لفرض المزيد من الرقابة والاستجابة حسب الحاجة.
ويتناول تقرير بنك التسويات الدولية الأمر بمزيد من التفصيل حول أسباب صعوبة تنظيم هذا السوق. وكانت القوانين واللوائح المالية موضوعة لخدمة عالم الأمس. ويمكن لأصول العملات الرقمية أن تتخذ موضعاً وسيطاً بين أركان مختلف الجهات الرقابية؛ فقد تكون لعبة الفيديو المدفوعة التي تستخدم قواعد البيانات المتسلسلة والعملات الرقمية، على سبيل المثال، عبارة عن عرض للأوراق المالية، ومنتج استهلاكي، ومجازفة لغسل الأموال جميعها في الوقت نفسه. وفي غياب السلطة المركزية، فمن الصعوبة تنظيم الأمور.
فما هي الإجابة بعد ذلك؟ لدى بنك التسويات الدولية بعض الأفكار، ولكن ليس هناك ما يثير اهتمام أو أرق متداولي العملات الرقمية حتى صباح اليوم التالي. ومن بين هذه الأفكار نجد التنسيق العالمي، على الرغم من أننا رأينا مدى جودة ذلك. وهناك أيضاً مراقبة نقاط الاتصال المركزية، مثل مبادلات العملات الرقمية، ولكن ذلك يتطلب توفير المزيد من الموظفين.
كما تحدث البنك عن المراقبة المناسبة للتقاطع بين العملات الرقمية والبنية التحتية للمدفوعات في العالم الواقعي، رغم أن ذلك سوف يعتمد على التعاون عبر الحدود. وبنك التسويات الدولية محق في الدعوة إلى التوسع الكبير في التدقيق، ولكن لن يكون سهلاً العثور على الاستثمار الإضافي لما لا يزال سوقاً صغيرة نسبياً على المستوى الدولي.
ومن أفضل الطرق للنظر إلى تقرير بنك التسويات الدولية هو أن يُعتبر بمثابة صرخة تحذير للمساعدة بشأن ما يمكن أو ينبغي فعله بالنسبة إلى «البيتكوين». ولا بد أن تبلغ تلك الصرخة الجميع، وليس فقط الأحاديث المفرطة قليلاً بشأن انهيار شبكة الإنترنت. فهي مسألة أقل إلحاحاً من الرقابة على السوق الذي أعاد النشاط والحيوية للمحتالين. ومن شأن الرقابة المناسبة أن تكون خطوة جيدة على الطريق، بطبيعة الحال. ومن دون المساعدة عبر الحدود، والإجراءات الجادة بشأن الاحتيال والموارد المناسبة، فإن قلق السيد أوغسطين كارستينس سوف يذهب أدراج الرياح.
- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
7:44 دقيقه
TT
التحذير من اختراق «بيتكوين» للإنترنت
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة