علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

حكاية عربي

نحن في أيام العيد ومواضيع الاقتصاد مواضيع ثقيلة، لأنها في الغالب تتعلق بالنمو وبالربح والخسارة، وهذه تثير الأعصاب، لذا ففي هذا اليوم سأقص عليكم قصة تلميذ عربي، وبالطبع فالقصة تتشابه في مضمونها في كثير من الأقطار العربية، ولكنها بالتأكيد تختلف في التفاصيل.
هذا التلميذ درس الابتدائية وفي السبعينات الميلادية وصل إلى الإعدادية، وفي هذه المرحلة في الغالب يبدأ دراسة اللغة الإنجليزية، التلميذ كان متحمساً لتعلم اللغة لأنه كان يرغب في أن يعين والده بقراءة ما يكتب على البضائع باللغة الإنجليزية، إذ كان والده بائع أقمشة نسائية وكان هذا هو الحافز.
للأسف فقد تأخر أستاذ اللغة الإنجليزية شهرا كاملا عن الحضور للمدرسة لأسباب خارجة عن إرادة المدرسة، وفي نهاية المطاف حضر الأستاذ وبدأ يدرس الطلبة بهدوء شديد وتأن حتى يفهموا هذه المادة الجديدة عليهم، واستمر على ذلك لمدة أسبوعين، وكان الطلبة مستمتعين مع أستاذهم، في الأسبوع الثالث حضر مفتش اللغة وجلس بين الطلبة واستمع إلى شرح الأستاذ، وفي نهاية الدرس أبدى إعجابه بالأستاذ، ولكنه أبدى ملاحظته بأنه متأخر في المنهج، شرح الأستاذ أسباب التأخر وأنها خارجة عن الإرادة وأنه لا ذنب له فيها، ولكن المفتش أصر على أن التأخر في المنهج غير مقبول، وكان ذلك يحدث أمام الطلبة.
في الدرس التالي أسرع المدرس في شرح المنهج فأبدى الطلاب تذمرهم من هذه السرعة التي يصعب معها الفهم، الأستاذ اعتذر بأنه يجب تطبيق ملاحظة المفتش، في نهاية السنة نجح معظم الطلبة إلى الصف الذي يليه بحكم سهولة المنهج واعتماده على المشافهة، ولكنهم بعد ذلك عانوا الأمرّين من مادة اللغة الأجنبية.
تلميذنا الذي نحن بصدد حكايته وصل إلى الجامعة ولكنه عرف أنه لا سبيل للتخرج في الجامعة إلا بمعرفة اللغة الأجنبية، ساعدته الظروف فاعتذر من الجامعة لمدة فصل دراسي وذهب إلى الولايات المتحدة الأميركية ودرس لمدة ستة أشهر وعاد ليتجاوز صعوبات اللغة في الجامعة ولكنه يعرف أن لغته لا تؤهله للبحث أو القراءة الجادة بها.
ومع أن اللغة الإنجليزية هي اللغة العالمية اليوم، فمع الأسف مدارسنا لا تجتهد كثيرا في تعليمها، فمعظم المدارس العربية تفتقر لمعمل اللغة رغم بساطة تجهيزه، إذ كان يعتمد في السابق على جهاز مسجل وشريط وفي الوقت الحاضر على سي دي وجهاز كومبيوتر، فمدارسنا للأسف لا تعلم المهارة إنما تعلم الحفظ، فعلى كثرة الكتب والمناهج فإنها لا تعلم المهارة باستثناءات بسيطة، فمنهج الحاسب الآلي منهج رديء في المدارس العربية.
يتخرج الطالب في المدرسة العربية ليتفاجأ بأنه غير مرحب به في سوق العمل، فاليوم حتى التقديم للوظائف تشترط معظم الشركات أن يكون باللغة الإنجليزية، ومعها حق في ذلك، إذ إنّ اللغة والحاسب الآلي أصبحا ضرورة لتطوير العمل.
هذا التلميذ يصبح عبئاً على الاقتصاد، فإما أن يجد نفسه على رصيف البطالة أو أن يكون ذكيا ويطور مهارته، فالشركات لا ترحب بمن كانت مهارته متدنية، لأن ذلك يكلفها ماديا، فهي تحسب رسوم الدورات والانقطاع عن العمل، وهذا ما لا تحبذه الشركات ويصبح من حقها أن تبحث عن الجاهز.
فهل يعيد وزراء التعليم في العالم العربي النظر في سياسات التعليم؟ حتى نخرّج طالبا يقبله سوق العمل وحتى لا نزيد خسائر اقتصادنا العربي، وأنتم تعرفون أن اليد العاملة هي واحدة من ثالوث الاقتصاد، بالإضافة إلى الأرض ورأس المال، كما يعرّفه آدم سميث.