حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

الأردن... حكمة وحنكة

احتجاجات الأردن وهتافاته وشعاراته ومظاهراته ووجوده النشط في وسائل التواصل الاجتماعي، رأى فيها عاشقو الربيع العربي بعض نسائمه وفوح عبير أزهاره، على حد وصفهم، ورأى فيها المعارضون للربيع العربي مسحة من ريحه الصرصر العاتية التي ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم. والحقيقة أن الفئة الثانية أمست، حسب تقديري، هي السواد الأعظم من الجماهير العربية؛ ليس بالضرورة حباً في الواقع القائم، ولكن لأنها ما زالت ترى المآسي والمواجع والدماء والدمار والتشريد التي خلفتها أعاصير الحراك الجماهيري العربي عام 2011 الذي أوقد شرارته جسد بوعزيزي المحترق، أو قل إن شئت هو ارتدادات لزلزال عربة خضراوات بوعزيزي عندما أوقعتها الشرطية التونسية على الأرض.
لقد وضعت الجماهير العربية أيديها على قلوبها وهي تشهد على ساحة الاحتجاجات الشعبية الأردنية اللغة المتدرجة نفسها من غضبةٍ بسبب الوضع الاقتصادي، وحنق على الضرائب المفروضة، إلى المطالبة بتغيير الحكومة، إلى التنادي بإسقاط النظام، لكن «الملكيات» العربية أثبتت أنها الأكثر نضجاً والأحسن فهماً والأقوى إدراكاً لخريطة شعوبها ولـ«الكود» المناسب لها، وهذا ما يفتقده الذي طرأ على الحكم ممتطياً ظهر دبابة مفخرته الوحيدة «البيان رقم واحد» وإعلام بذيء سليط اللسان وأداة قمع وحشية دموية.
«شعرة معاوية» بنسختها الأردنية هي «الكود» الذي تتعامل به «الملكية الهاشمية» مع حراك جماهيرها، فإن أرخت الجماهيرُ شدّت الحكومة، وإن شدّت الحكومةُ أرخت الجماهير. بكل حكمة وذكاء ونضج تعامل الملك عبد الله بن الحسين مع الحراك الجماهيري الخطر، فتفهم احتجاج المتظاهرين ولم يقمعهم ولم يخوّنهم ولم يتهم شعبه الذي يضيق من الحال الاقتصادية الصعبة بالارتهان للأجندات الخارجية... بدلاً من ذلك كله أرخى شعرته بإقالة الحكومة وتحميل بعض الوزراء المسؤولية، وبدورها أرخت الجماهير شعرة الملك وانسحبت بهدوء وكفى الله الأردنيين والمنطقة شر الثورات، ولأن الأردن عضو إذا اشتكى تداعى له سائر الجسد العربي بالحمى والسهر، فقد تحركت بعض دول الخليج بقيادة السعودية، فكانت القمة الرمضانية السعودية - الكويتية - الإماراتية وفي رحاب مكة المكرمة وفي ضيافة الملك سلمان بن عبد العزيز، فكانت القمة بحق موقف شرف ونخوة وشهامة.
ومثلما تعاملت الملكية الأردنية بحكمة وحنكة و«حنية» مع حراك جماهيرها، فعلت الملكية المغربية الشيء ذاته حين اندلعت الثورات العربية وتطاير شرر نيرانها، فعلق بالثوب المغربي فانبعث حراك واحتجاجات ومظاهرات في أنحاء متفرقة من المملكة المغربية، فاستطاعت شعرة معاوية بنسختها المغربية أن تفكك الألغام المزروعة وترش شرر الثورات العربية وبمهارة فائقة، فأدخلت التيار الجماهيري الأبرز في عباءة الحكومة ومنحتهم الوزارات الخدمية، واحتفظ الملك بالوزارات السيادية وحق تعيين رئيس الوزراء وإقالته، فأبحرت السفينة المغربية بثبات وأمان وسط أمواج الثورات العربية العاتية.