فهد الخيطان
TT

روسيا وإيران... بوادر خلاف حول سوريا؟

إلى أي مدى يمكن الرهان على الخلافات الروسية الإيرانية في سوريا للوصول إلى تسوية سياسية حاسمة للأزمة هناك؟
الدعوة التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أسبوعين بضرورة خروج القوات الأجنبية من سوريا، مثلت في نظر المراقبين انعطافة محتملة في التحالف الوثيق بين البلدين، الذي يرد له الفضل في حماية نظام بشار الأسد من السقوط.
لم يذكر بوتين صراحة إيران في دعوته، لكن مبعوثه لسوريا الكسندر لافرينتييف صرح في وقت لاحق بأن الانسحاب المطلوب يشمل إيران أيضاً.
النظام السوري المرهون للتحالف الإيراني الروسي، تبنى تفسيراً مغايراً لتصريحات بوتين وقال متحدث باسمه إن انسحاب أو بقاء القوات الأجنبية الموجودة بإذن من الحكومة السورية، هو شأن يخص دمشق وغير مطروح للنقاش.
كان واضحاً منذ بداية الأزمة في سوريا أن تحالف روسيا مع إيران، هو تعاون فرضته الوقائع الميدانية، ولم يكن خياراً لأي من الطرفين. بمعنى آخر كان تحالفاً إجبارياً اقتضته مصالح متباينة القاسم المشترك الوحيد لها الجغرافيا السورية بما تعنيه للجانبين في حسابات النفوذ والمصالح.
في لقاءات كثيرة جمعت بوتين بقادة عرب، كان يمكن التقاط إشارات كثيرة على تبرم الروس من دور إيران في سوريا، وسلوكها الطائفي في مناطق سيطرتها، وتحفظات كبيرة على نوايا الميليشيات الطائفية المرتبطة والممولة من طهران.
ويؤكد سياسيون على صلة وثيقة بمحادثات أستانة أن خلافات طهران وموسكو حول مناطق خفض التصعيد، ووقف إطلاق النار، كانت ظاهرة للمراقبين هناك.
عندما أجرى الأردن مباحثات مكثفة مع الجانبين الروسي والأميركي لإقامة منطقة خفض التصعيد في الجنوب السوري، ومركز لمراقبة إطلاق النار في عمان، لم تمانع روسيا في القبول بالشروط الأردنية والأميركية القاضية بإبعاد الميليشيات الإيرانية مسافة كافية عن الحدود مع الأردن، والتزام موسكو بمنع هذه الميليشيات مستقبلاً من التمركز قرب الحدود في حال تم التوصل لتفاهم على انسحاب قوات المعارضة وعودة السيطرة السورية على المعابر الحدودية مع الأردن.
طهران لم تكن معنية أبداً باحتواء قدرتها ونشاطها في كثير من المناطق السورية، وكانت ولا تزال تسعى لكسب المزيد من النفوذ في مختلف المواقع، لتعزيز وجودها في سوريا، وفرض أمر واقع يستحيل معه التفكير بتغيير المعادلة السياسية في البلاد.
وكان الاختبار الأهم للتحالف الروسي الإيراني مع دخول إسرائيل على خط العمليات العسكرية في سوريا.
لقد استثمرت إيران نفوذها على الأرض وبالحماية الروسية في السماء السورية، لتطوير مواقع عسكرية متقدمة، تؤهلها للاحتكاك بإسرائيل من موقع القوة. لم تكن إسرائيل لتسمح بمثل هذا التغيير في معادلة القوة، فشرعت في شن سلسلة من الهجمات المدمرة على القواعد الإيرانية ومخازن السلاح ووحدات الحرس الثوري.
لم تتدخل روسيا على الإطلاق، واكتفت راداراتها بالفرجة على الصواريخ الإسرائيلية وهي تعبر الأجواء السورية وتضرب المراكز الإيرانية.
وتذهب أغلب الروايات إلى تأكيد القول بأن موسكو كانت على علم مسبق بكل طلعة جوية للمقاتلات الإسرائيلية.
على المستوى السياسي، لم تكن إيران معنية أبداً بتقدم مفاوضات الحل السياسي في جنيف، وطالما عملت على إفشالها. روسيا فعلت الشيء ذاته في جولات كثيرة، لكنها كانت على قناعة بأن دوام الحال في سوريا غير ممكن لفترة طويلة، ولا بد من العمل على حل سياسي، يضمن مصالحها على المدى البعيد.. حل بوجود الأسد أو من دونه.
لروسيا مروحة واسعة من المصالح في الشرق الأوسط، وهي جزء غير قليل من حزمة قضايا دولية عالقة مع واشنطن والدول الغربية، ولا يمكنها التشبث بسوريا دون تصور أشمل لعلاقتها المعقدة مع العالم الغربي.
وروسيا ليست في وضع اقتصادي يسمح لها بالمناورة على جميع الجبهات لفترة طويلة. ينبغي عليها التفكير في تفكيك الأزمات والتخلص من الضغوط للتفرغ لتحديات أكبر تنتظرها مع توجه إدارة ترمب لإطلاق موجة جديدة من سباق التسلح، ودخول ميدان المنافسة القوية مع الصين.
في هذا السياق يمكن قراءة استدعاء بوتين للرئيس السوري منفرداً إلى سوتشي مؤخراً، والطلب منه تسمية وفده لتشكيلة اللجنة المقرر لها أن تناقش تعديلات الدستور السوري ضمن تفاهمات جنيف.
انصاع الأسد لطلب بوتين، وأعلن تسمية ممثليه تمهيداً لبدء جولة من المناقشات.
لا تبدو إيران مرتاحة أبداً لهذه التطورات، وتعمل خلف الكواليس لإفشالها، لأن أي تقدم على مسار الحل السياسي في سوريا، يعني بداية النهاية لنفوذها هناك.
لكن التباين في أجندة الطرفين حيال مستقبل سوريا، لم يبلغ مرحلة الصدام بعد، وهو ليس مرشحاً لبلوغها في الوقت الحالي.
روسيا تعلم بنوايا طهران، ورغبتها الجامحة في تعطيل مسارات الحل السياسي، لكن في المقابل لا تأمن القيادة الروسية بعد الجانب الأميركي، ولا تعرف حدود دوره في مستقبل سوريا، وتخشى أن يكون حاصل التضحية بالحليف الإيراني يصب في حساب واشنطن دون أن تنال شيئاً في المقابل.
على المدى المتوسط ستعمل موسكو على احتواء النفوذ السياسي لإيران في سوريا، فالأخيرة تخطط للاندفاع بشكل أكبر على كل الجبهات رداً على قرار ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي وتحسباً لعقوبات غير مسبوقة تنتظرها. روسيا ورغم موقفها المعارض لقرار ترمب، فإنها غير معنية أبداً بتحويل سوريا لورقة مساومة في يد طهران.
ثمة اعتقاد لدى باحثين مختصين بالشؤون الدولية بأن البلدين روسيا وإيران سيستغلان بعضهما البعض بأكبر قدر ممكن ولأطول فترة ممكنة، إلى أن تحين لحظة الطلاق في سوريا، وهي مؤجلة لزمن غير معلوم.