ناثان بولارد
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

الدائرة المفرغة لارتفاع درجة حرارة الأرض

حققت الشركة المعنية بتشغيل شبكة الكهرباء والتي توصل الطاقة إلى معظم أرجاء تكساس، رقماً قياسياً في الطلب على الكهرباء هذا الأسبوع من مايو (أيار). وبالنظر إلى ارتفاع درجات حرارة الجو والوضع الصحي للاقتصاد وتنامي عدد السكان، بدا من المنطقي أن يتوقع مجلس إدارة شؤون الكهرباء في تكساس مواجهة معدلات استهلاك قياسية للكهرباء خلال الصيف.
وشكلت أجهزة تكييف الهواء السبب الرئيس وراء بلوغ معدلات استهلاك الكهرباء ذروتها خلال الأيام الحارة. من جانبه، أخبرني جوشوا رودس، من جامعة تكساس، أن نصف الطلب القياسي على الكهرباء داخل منطقة إركوت جاء من أجهزة تكييف الهواء، علاوة على أن ثلثي الطلب على الكهرباء من جانب المنازل جاء من هذه الأجهزة. وبصورة عامة، تشكل أجهزة تكييف الهواء المنزلية ما يقل قليلاً عن ثلث إجمالي الطلب على الكهرباء من أكبر محطة كهرباء تغذي ولاية بعينها على مستوى الولايات المتحدة.
إلا أن تقريراً جديداً عن الوكالة الدولية للطاقة يجعل الطلب على الطاقة في تكساس يبدو صغيراً مقارنة بالطلب على مستوى عالم آخذ في التنامي والتحول نحو الحضر بصورة متنامية، ويرغب في تلطيف الأجواء الحارة من حوله.
وتكشف البيانات الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ليس فقط عدد وحدات أجهزة تكييف الهواء العاملة اليوم (قرابة 1.1 مليار على مستوى العالم)، وإنما كذلك وجود توزيع غير متساوٍ لها. من جانبها، تضم اليابان 90 وحدة تكييف منزلية للهواء مقابل كل 100 شخص، بينما يتراجع المعدل داخل الهند إلى وحدة واحدة لكل 100 شخص. كما تضم كوريا الجنوبية عدداً من وحدات تكييف الهواء أكثر عن البرازيل، والتي تضم عدد سكان يزيد على الأولى بمقدار أربعة أضعاف.
الملاحظ أن التحول إلى الطابع الحضري يزيد الطلب على وحدات تكييف الهواء. في هذا الصدد، نشرت الأمم المتحدة في الفترة الأخيرة توقعات محدثة تتعلق بالسكان. وفي كل واحدة من الدول التي وردت في التحليل الذي وضعته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من المتوقع أن يعيش أكثر من نصف السكان داخل مناطق حضرية في غضون 30 عاماً.
ومثلما أوضحت الوكالة، فإن التحول إلى الحضر والطلب على وحدات تكييف الهواء يسيران جنباً إلى جنب. وتشير التقديرات إلى أن المناطق الحضرية الواقعة في قلب المدن قد تكون أعلى في درجة الحرارة بمقدر 7 درجات فهرنهايت (4 سيليزية) عن خارج المدن. وداخل المناطق السكنية المزدحمة، لا تتوافر للهواء مساحة كبيرة لحرية الحركة بحيث يتمكن من تلطيف الأجواء بصورة طبيعية. وفي الوقت نفسه الذي تعمل أجهزة تكييف الهواء على تبريد الهواء داخل الأماكن المغلقة، فإنها تسهم في رفع درجات الحرارة بالخارج من خلال العادم، ما يزيد بدوره من المجهود المطلوب لتبريد الجزء الداخلي، ما يزيد العادم ودرجات الحرارة بالخارج.
إنها دائرة حضرية مفرغة، ناهيك بتداعياتها على صعيد التغييرات المناخية. من جهتها، تتوقع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تزداد أعداد الأيام التي تتطلب الاستعانة بأجهزة التبريد (عندما تتجاوز درجات الحرارة 65 فهرنهايت-18 سيليزية) على مستوى العالم بنسبة 25% بين عامي 2016 و2050، ما يفاقم الدائرة المفرغة سالفة الذكر.
وأضافت الوكالة أن: «التغييرات المناخية ترفع درجات الحرارة في الغلاف الجوي، الأمر الذي يزيد بصورة مباشرة الحاجة إلى تبريد الهواء، ما يؤدي إلى حرق المزيد من الوقود الحفري داخل محطات الطاقة بهدف تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، الأمر الذي يسهم بدوره في تفاقم التغييرات المناخية. ويعتمد كسر هذه الحلقة المفرغة في النهاية على كبح جماح التغييرات المناخية، الأمر الذي يستلزم تقليص الطاقة المطلوبة لتبريد الهواء والاستخدامات الأخرى، بجانب نزع ثاني أكسيد الكربون من مزيج الطاقة».
التساؤل هنا: كم حجم الزيادة في الطلب على الكهرباء التي يمكن أن يسببها الطلب على تبريد الهواء؟ بالنسبة إلى الصين، على سبيل المثال، ارتفع استهلاك الكهرباء من أجل خدمة أجهزة تبريد الهواء 68 ضعفاً من عام 1990 حتى 2016.
ويكشف التحليل الذي وضعته الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن الإبقاء على عالم حار، لطيف الأجواء، سيشكل تحدياً كبيراً، والاضطلاع بمواجهة هذا التحدي بفاعلية أكبر يستلزم الحد بدرجة كبيرة من الطلب على الطاقة لأغراض التبريد. في الوقت ذاته، فإن هذا الوضع سوف يستلزم مزيداً من الطاقة وبنية تحتية جديدة والمليارات من وحدات تكييف الهواء الجديد.

- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»