فايز سارة
كاتب وسياسي سوري. مقيم في لندن. عمل في الصحافة منذ أواسط السبعينات، وشارك في تأسيس وإدارة عدد من المؤسسات الإعلامية، وكتب في كثير من الصحف والمجلات، ونشر دراسات ومؤلفات في موضوعات سورية وعربية. وساهم في تأسيس العديد من التجارب السياسية والمدنية.
TT

إدلب على صفيح ساخن

تنفرد أغلبية محافظة إدلب ومحيطها في شمال غربي سوريا، والجزء الأكبر من محافظة درعا، بأنها القسم الوحيد من الأراضي السورية، الخارج عن سيطرة نظام الأسد، وغير الخاضع بصورة تامة لقوى الاحتلال الأجنبي الإقليمية والدولية، التي باتت تسيطر على معظم الأراضي السورية.
ورغم المشترك المحدود بين إدلب ودرعا، فإن إدلب، تنفرد بمزايا لعل الأبرز فيها، مساحتها الأكبر خصوصاً في امتدادها الحالي إلى أرياف المحافظات المجاورة، والعدد الأكبر من السكان وبينهم أعداد كبيرة من المرحّلين قسرياً والنازحين من محافظات سورية أخرى، إضافة إلى حدودها المفتوحة نسبياً على محيطها، والوجود المسلح المتعدد الاتجاهات، رغم غلبة المسحة العامة للتشكيلات الإسلامية الموزعة ما بين قوى التطرف والإرهاب من بقايا «داعش» وهيئة تحرير الشام – النصرة، وتشكيلات أقل تشدداً بينها «أحرار الشام» و«فيلق الشام» وغيرهما من تشكيلات صغيرة. ولعل الأهم مما سبق في تمايز إدلب ومحيطها عن شقيقتها درعا، أنها صارت في الموقع الأول من دائرة استهداف نظام الأسد وحلفائه بعد سيطرتهم على غوطة دمشق الشرقية والقلمون الشرقي، وترحيل سكانهما وتشكيلات المعارضة المسلحة منهما باتجاه الشمال السوري.
ويؤكد تصاعد هجمات النظام الجوية والصاروخية، توجه نظام الأسد وحلفائه نحو إدلب ومحيطها، ليس من أجل إعادة السيطرة عليها فحسب، بل أيضاً بهدف القضاء على التشكيلات المسلحة فيها، والتي رغم كل مشكلاتها وإشكالاتها، ما زالت تمثل القوة المسلحة الرئيسية، التي تعارض إعادة إحكام قبضة النظام وحلفائه على منطقة الشمال الغربي من البلاد، مما جعل إدلب بمدنها وقراها هدفاً للهجمات الجوية بالصواريخ والبراميل المتفجرة في الفترة الأخيرة، فيما يتواصل تحشيد القوات على الجبهات القريبة.
غير أن هذا الجانب مما تواجهه إدلب من تحديات، لا يمثل إلا رأس جبل الجليد في طموح ونهج مستمرين ومعلنين لحسم وضع إدلب خصوصاً بعد سيطرة النظام على مدينة حلب أواخر عام 2016، والتي وضعت إدلب وجوارها في شبة دائرة مغلقة، تقارب حالة الحصار، تتزايد أخطاره في ظل أمرين:
الأمر الأول، اقتتال بين التشكيلات المسلحة الرئيسية، حيث تشتبك هيئة تحرير الشام، التي تشكل جبهة النصرة المنسوبة إلى «القاعدة» قوتها الأساسية، وجبهة تحرير سوريا، وقوتها الرئيسية حركة أحرار الشام، وفيلق الشام، إضافة إلى حركة نور الدين زنكي، وصقور الشام. وقد أدت الاشتباكات بين الجانبين إلى مقتل وجرح آلاف من قيادات وعناصر الطرفين، إضافة إلى مقتل وجرح آلاف أخرى من المدنيين، وتدمير قدراتهم المادية، وطبقاً لمعلومات ميدانية، فإن حجم الخسائر البشرية لقتال الجبهتين، زاد على ألف قتيل و3 آلاف جريح في الأسبوع الثاني من أبريل (نيسان) المنقضي.
الأمر الثاني، تزايد عمليات الاغتيال في مدن وقرى المنطقة، وهي عمليات لم تعد تقتصر على تصفية قيادات وكوادر فصائل الجيش الحر، التي تشاركت في تصفيتها جماعات التطرف والإرهاب من «داعش» و«النصرة» والتشكيلات الإسلامية من «أحرار الشام» وغيرها في الأعوام الثلاثة الماضية. وقد توسعت عمليات الاغتيال والتصفية في الأسابيع الأخيرة لتطال ناشطين سياسيين ومدنيين من جهة، وقيادات في التشكيلات المسلحة القائمة، وسط حالة من الغموض العام، حيث لا تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الاغتيالات، التي يسود اعتقاد أنها تتم بواسطة خلايا نائمة بعضها مرتبط بمخابرات نظام الأسد، وآخرين مرتبطين بـ«داعش» و«جند الأقصى» المحسوبين على الأخير. ووفق المعلومات الميدانية، فإن الأسبوع الثالث من أبريل الماضي شهد سقوط عشرات من قادة وكوادر تشكيلات مسلحة بينها هيئة تحرير الشام وجبهة تحرير الشام وتشكيلات أخرى.
وإذا ربطنا بين ما يجتاح إدلب من تطورات ميدانية - أمنية، تعزز الفوضى القائمة، وتعمّق الصراعات المسلحة، التي فشلت كل مساعي واتفاقات وقف القتال في الحد منها، وبين الأجواء السياسية المحيطة بالقضية، السورية وبخاصة اجتماع وزراء مسار آستانة الذي أكد فيه وزير الخارجية الروسي لافروف، استمرار الحرب على «الإرهابيين»، وهو تعبير يطلقه على كل التشكيلات المسلحة، فإن الأمور في إدلب ومحيطها تتجه نحو حرب على إدلب ومحيطها، تقارب الحرب الأخيرة على الغوطة الشرقية، وقد تكون نتائجها أشد كارثية مما حصل في الغوطة الشرقية بحكم الاختلاف بين المنطقتين من الناحية السكانية والعسكرية، ونتيجة استمرار موقف اللامبالاة الإقليمي والدولي بما يحصل في سوريا.