طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

لعبة الأرقام ولعنتها

يتباهى كل نجم حالياً بالرقم القياسي الذي حققه «برومو» مسلسله الجديد، كل منهم ينشر على صفحته عدد الملايين الذين تابعوا الإعلان الترويجي، الرسالة التي يسعون لتوصيلها ليست فقط أنا الأول، هذا لا يكفي، يجب أيضاً الإشارة إلى المسافة الشاسعة التي باتت تفصلهم عمن يحتل المركز الثاني.
لدى النجوم دائماً إحساس أنهم داخل بؤرة الضوء وكل شيء محسوب عليهم، تستطيع أن ترى نجومنا وهم داخل «الفاترينة»، النجم لا ينسى أبداً أنه نجم، فهو على مدى 24 ساعة معروض على الناس يشاهدونه خلف زجاج شفاف، ولأننا نعيش في عالم، الرقم صار فيه أكثر أنباء من الكتب، فإن السلاح الذي يتم استخدامه بقوة هو كثافة المشاهدة، إنها الورقة الرابحة التي (تقش) كل الأوراق، وتخرس بعدها كل الانتقادات.
يدق على الأبواب بقوة الآن امتحان شهر رمضان، كلنا تابعنا كيف أن عدداً من النجوم الذين كانوا في السنوات الماضية في البؤرة أصبحوا حالياً خارج الملعب، بعد أن ظهر جيل آخر، من حقه أن يقول (نحن هنا)، فباتوا (هم هناك)!!
لا تصدق نظرية المؤامرة التي يروجون لها، ولا تصدق أيضاً أنهم لا يحبون الزحام الرمضاني، وفضلوا الخروج بمحض إرادتهم بعيداً عن تلك الصراعات، الحقيقة هي أن كل عام تزداد المعركة شراسة، ولهذا لا يتبقى في الميدان غير النجم الأكثر قدرة على التسويق عبر الفضائيات، والذي تجري وراءه وكالات الإعلان، وهذا ما يجعل مع الأسف قانون العرض في شهر رمضان هو كثير من الإعلانات قليل من الإبداع، المسلسل الذي لا يتجاوز عرضه 30 دقيقة، يمتد على الشاشة الصغيرة ثلاثة أضعاف هذا الزمن، وأحياناً تجدهم يضحون بـ«التترات» من أجل زيادة مساحة الإعلانات.
نعم كل شيء له مردوده الرقمي، ولهذا لا يزال يحتل القمة في كثافة المشاهدة المخضرم عادل إمام، والصاعد بقوة محمد رمضان، كل منهما يقترب كأجر من رقم مليونين ونصف المليون دولار.
بعض النجوم والنجمات من الذين أصبحوا خارج الملعب، يؤكدون أنهم يقدمون الأعمال الجادة ولهذا هم مرفوضون إنتاجياً، الحقيقة أن هناك أعمالاً جادة تم تسويقها، أليست مسلسلات العام الماضي مثل «حلاوة الدنيا»، الذي تناول بعمق وجرأة مرض السرطان ينطبق عليه ملامح الجدية، وهو ما نجده في غيره قطعاً من الأعمال مثل «واحة الغروب» و«الهيبة» وغيرها.
عدد من النجوم هذا العام يقفون على المحك، هم طبعاً يتابعون كيف خرج في الأعوام الماضية البعض ممن كانوا بمثابة طقس رمضاني، صار عليهم الآن أن ينتظروا على دكة الاحتياطي، ولهذا يخشون أن يلقوا نفس المصير.
بقدر ما أصبح النجم مهدداً لو لم يحقق الرقم الأعلى، بقدر ما أصبح لديه إحساس أنه ليس فقط بطل المسلسل، ولكنه يساوي كل المسلسل، وهى آفة عايشناها ولا نزال في جزء كبير من الإنتاج السينمائي، الذي منح النجم كل الصلاحيات، فصار النجوم أكثر شراسة في التعامل مع قانون التلفزيون، سوف تلاحظ أن جزءاً كبيراً من الذين يتصدرون المشهد في المسلسلات صارت صورته تحتل ليس فقط مقدمة «الكادر» في «أفيشات» المسلسل كما كان يحدث في الأعوام الماضية، ولكن كل المساحة أصبحت لهم ولا أحد يجرؤ على الاعتراض، إنها يا عزيزي لعبة الأرقام ولعنتها، ولها مع الأسف في عالم الدراما الكلمة الأولى والأخيرة، قل لي كم هو أجرك أقل لك من أنت!