طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

لماذا يكذبون؟

نظرةٌ فسلامٌ فكلامٌ فموعدٌ فلقاءٌ، هكذا قال أمير الشعراء أحمد شوقي عن مراحل الحب، بينما في الحياة الفنية من الممكن أن نقول مع تحطيم كل قواعد علوم العروض الشعرية، نظرةٌ فكلامٌ وشائعاتُ زواج وتكذيبٌ، وبعدها يأتي إعلان الزواج وبالرفاء والبنين.
لماذا صرنا نتابع أكثر من فنان يحرص في الأشهر الأخيرة على أن يجري حوارات ينفي فيها تماماً الزواج من فنانة أو العكس تبادر الفنانة بالنفي، رغم أن الأمر لا يستغرق بعدها بضعة أسابيع، وأحياناً لا يتجاوز أياماً قليلة، والفنان نفسه يعلن وعلى صفحات المطبوعة ذاتها أنه تزوج، وفي العادة لا يقدم أبداً مبرراً عن أسباب التكذيب، ولماذا كان يصف تلك الحقيقة بالشائعة المغرضة، وأن هناك من يتربص به لغرض في نفس يعقوب. هل الحب مثلاً عاطفة نخجل من إعلانها على الملأ، فلماذا لا يقولان مثلاً إنهما في حالة حب، وفي طريقهما للزواج، بدلاً من أن يعلنا أنهما فقط صديقان، وما يجمعهما فقط هو تلك الأخوة الخالصة، ولا تفكير في أي شيء آخر.
عبر الزمان كثيراً ما أقدم الفنانون على مواقف مشابهة، أن يصنعوا الشائعة لتصبح بالونة اختبار، ليحددوا من خلالها ردود فعل الناس، أحياناً كان الزواج أو بتعبير أدق خبر إعلانه والتوقيت جزءاً من الدعاية، مثلما فعل أنور وجدي في فيلم «ليلي بنت الفقراء» بطولة ليلى مراد وأول عمل فني من إخراجه وإنتاجه، حيث انتشرت في الصحف منتصف الأربعينات، شائعة الحب وأنهما في طريقهما للزواج بعد نهاية تصوير الفيلم، طلب أنور وجدي من ليلي مراد إعلان التكذيب في كل الصحف، وبعد النشر بساعات قليلة وجّه الدعوة لكل الصحافيين لحضور تصوير المشهد الأخير من الفيلم في الاستوديو والذي ينتهي فعلاً بالزواج، وقال لهم بعد التصوير إنهم كانوا شهوداً على عقد قرانه بليلي مراد، وحقق دعاية مجانية طاغية للفيلم، وأدرك الصحافيون كم كان أنور وجدي ذكياً وهو يدفع ليلى مراد للتكذيب، لكي يحدد هو توقيت إعلان الزواج.
أحياناً يلعب الناس دوراً في التراجع عن اتخاذ قرار الزواج، فلقد روى لي الموسيقار محمود الشريف أنه بعد الإعلان الرسمي عن خطوبته من أم كلثوم سألها الكاتب الصحافي مصطفي أمين في حوار نشر عام 1946 على صفحات «أخبار اليوم»، هل تواصلين الغناء؟، أجابته الأمر له وما يريد.
كانت هذه الجملة كفيلة بإثارة غضب الرأي العام في مصر والعالم العربي؛ لأن صوت أم كلثوم يراه العرب ملكية عامة، فكيف يخضع هذا الصوت لرجل فقط هو الذي يملك تحديد مصيره، تُغني أم تعتزل.
اضطرت أم كلثوم بعد هذه الضجة، إلى التراجع عن إعلان الخطوبة في حوار أطلق عليه أيضاً مصطفي أمين عنوان «جنازة حب»، قالت فيه إنها لم تكن تدري أن محمود الشريف متزوج، وعندما اكتشفت ذلك بالصدفة تراجعت عن قرارها؛ فهي لا تبني سعادتها على أنقاض أحزان امرأة أخرى.
أكد الشريف أن الوسط الفني كله بمن فيهم أم كلثوم يعلم أنه متزوج، فكيف تقول إنها فوجئت، أكثر من ذلك لقد تزوجت أم كلثوم في منتصف الخمسينات من طبيب الأمراض الجلدية الدكتور حسن الحفناوي وكانت هي الزوجة الثانية له.
إنها كما ترى ليست ظاهرة جديدة في الحياة الفنية، إلا أن الأمر كان له حتى لو اختلفنا معه، منطقه ومبرراته، الآن ما يجري هو أحد مظاهر العشوائية، فهم يكذبون لمجرد أنهم يجدون لذة في التكذيب!