حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

فرنسا... زيارة تليق بالسعودية الجديدة

قبل زيارة ولي العهد السعودي لفرنسا، نشر إعلام نظام الانقلاب في قطر وبوق التنظيم الإرهابي «حزب الله» سلسلةً من التحليلات والاستنتاجات عن «تدهور» العلاقات السعودية - الفرنسية إلى مستويات غير مسبوقة، ووصولها إلى مرحلة أشبه بالقطيعة، بسبب مواقف فرنسا من إيران وقطر ولبنان، وهي جميعاً، بحسب هذه «التحليلات»، متعارضة مع الموقف السعودي.
وجاءت الزيارة السعودية، وكانت أنجح زيارة لمسؤول عربي في التاريخ الدبلوماسي، بحسب أكثر من رأي فرنسي. فرنسا دولة محورية في العالم عموماً، والقارة الأوروبية تحديداً، هي واجهة أوروبا اليوم، بقيادتها الشابة متمثلة في رئيسها المختلف ماكرون، الذي يقود أوروبا سياسياً بدلاً من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي ضعفت داخلياً، ورئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي المشغولة بالخروج من الاتحاد الأوروبي. لفرنسا تاريخ عظيم مع السعودية في مواقف مختلفة، وهي شريك سياسي وأمني وتجاري وعسكري مميز.
فرنسا دولة محورية أدركت تماماً أهمية التحول الذي يحصل في المشهد السعودي، و«تطليق» الخطاب الديني المتطرِّف بلا عودة، ففرنسا صاحبة الجالية الإسلامية الأكبر في الغرب تعاني مرَّ المعاناة من المشهد المتطرف، ويهمها التوجه الجديد والخطاب الجديد الخارج من بلد فيه الحرمان الشريفان، لأنها تعي وتدرك تماماً أن هذا سيصبّ في صالح أمنها وسلمها الأهلي.
يعرف العالم فرنسا بمنتجاتها الزراعية، فهي بلد زراعي بامتياز (قال قديماً رئيسها الأسبق شارل ديغول: «أنا أحكم بلداً فيه أكثر من خمسمائة نوع من الجبن»)؛ فهي تصدِّر أنواعاً من اللحوم والأغذية بمختلف أنواعها، وهي أيضاً بلد صناعي بامتياز ينتج السيارات والسلاح والطائرات والأدوات الصناعية والإطارات والمفروشات. فرنسا لديها علامات تجارية مميزة في عوالم الأناقة، أسماء مثل «شانيل» و«هيرميس» و«ديور» و«غيرلان» و«باكاراه» لتنضم إلى علامات صناعية أخرى معروفة، مثل «إيرباص» و«بيجو» و«رينو» و«دوسو» و«ميشلان» و«ألكاتل» و«توسون»، ولكن فرنسا أكثر من ذلك بكثير.
فرنسا أول دولة في العالم أسَّسَت وزارة للثقافة، واعتبرت الثقافة جزءاً من هويتها وقيمها والشخصية الفرنسية. فرنسا هي أيضاً فنون وآداب ومسرح وأوبرا، ففي الذهنية الفرنسية الأدباء فيكتور هوغو، وجان بول سارتر، وفولتير لا يقلُّون أبداً في قيمتهم وأهميتهم عن شارل ديغول وفرنسوا ميتران. الولايات المتحدة حينما استقلَّت، وبدأت في كتابة دستورها العظيم، كان اثنان من الآباء المؤسسين لها، وتحديداً توماس جيفرسون وبنجامين فرانكلين، متأثرين جدّاً بالإرث الفرنسي للحقوق والحريات والقيم، فعكسا ذلك، فيما تمت كتابته لاحقاً، وكان لفرنسا «الأثر» على استقلال أميركا نتاج قيمها. هناك قيمة مضافة لعلاقة استراتيجية مع فرنسا في السعودية الجديدة. فبعد عقود من الإهمال والجدل العقيم ها هي السعودية تهتم بالآثار والتاريخ والإرث الحضاري للإنسانية الموجود على أرضها، ولا يوجد بلد يفهم ذلك مثل فرنسا، ومن المهم أن تكون شريكاً في ذلك الأمر، وكذلك في المجال السياحي الذي ترغب السعودية في توظيفه اقتصادياً بشكل لافت ومهمّ، فرنسا الشريك المناسب لأنها الدولة السياحية الأكثر نجاحاً في العالم، بحسب عدد الزوار.
زيارة ناجحة أخرست ألسن المشككين فيها، ولكن الأهم أنها دخلت في شراكة مهمة مع دولة محورية ومهمة بعيداً عن السياسة والسلاح، وهي زيارة تليق بالسعودية الجديدة.