نوح سميث
كاتب في «بلومبيرغ»
TT

شبكات التواصل الاجتماعي... الأفيون الجديد

مع تعرض موقع «فيسبوك» لموجة انتقادات عامة بسبب أسلوبه في التعامل مع خصوصية المستخدمين، يتضح يوماً بعد الآخر حجم الأهمية الكبيرة التي اكتسبتها وسائل التواصل الاجتماعي في حياتنا. وأعتقد أنه ربما تمر سنوات كثيرة قبل أن ننجح في وضع تقييم حقيقي لحجم ونطاق التغييرات التي طرأت على حياتنا، وحتى حينذاك ربما ستبقى هناك الكثير من الأمور التي سنعجز عن استيعابها بشكل كامل.
الواضح أن الحقبة التي كان البشر يتفاعلون خلالها عبر التجمع في مكان مادي واحد، أو يبقون على شبكات تواصل شخصي فيما بينهم من خلال الاتصالات من فرد لفرد، قد أوشكت على نهايتها، وربما لن يعي الجيل القادم حتى كيف كان الحال على أرض الواقع خلال هذه الحقبة. في الواقع، لقد بدّلت شبكات التواصل الاجتماعي معنى الحياة ذاتها.
علاوة على ذلك، نجحت هذه الشبكات في تحقيق أموال طائلة، وأغدق مستثمرون مليارات الدولارات في صورة قيم سوقية على شركات، مثل «فيسبوك إنك». و«سناب إنك». و«تويتر إنك».
وهناك رأي يرى أن القيمة الاقتصادية الحقيقية التي خلقتها مثل هذه الشركات تتجاوز بكثير الأرباح التي تجنيها ـ أو في حالة «سناب»، إمكانات أرباحها المستقبلية. في الجزء الأكبر منها، تتوافر هذه الخدمات مجاناً. إلا أنه بالنظر إلى حجم الوقت الذي يبدي الناس استعداداً لقضائه في استخدامها، فإن هذه الشركات ربما تبدي استعدادها لدفع أموال ضخمة للاستمرار بوسائل الاتصال الاجتماعي. وفي علم الاقتصاد، يعرف هذا الأمر بفائض المستهلكين ـ ويشير إلى حجم القيمة التي يحصل عليها مستهلكون دون أن يدفعوا مقابلها.
إلا أن الكثيرين منا ممن عاشوا في ظل التحول من الإنترنت إلى الحقبة الجديدة من وسائل التواصل الاجتماعي لا يسعهم سوى الشعور بقلق خفي؛ ذلك أنه علاوة على المخاوف المتعلقة بالخصوصية والتأثير على ميول الناخبين والانتهاكات عبر الإنترنت، تبدو شبكات التواصل الاجتماعي وكأنها تملك الكثير من السمات المميزة للمواد المخدرة.
ورغم أن الأبحاث لم تتوصل لنتائج حاسمة بعد بخصوص ما إذا كان إدمان شبكات التواصل الاجتماعي أمراً حقيقياً، ولكنها بالتأكيد تملك جانباً سلبياً يشبه في تأثيراته المخدرات. عام 2011، خلص عالما النفس داريا كوس ومارك غريفيث خلال ورقة بحثية لهما إلى أن من بين التداعيات السلبية المرتبطة باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي تراجع المشاركة في التفاعلات الاجتماعية على أرض الواقع والإنجاز الأكاديمي، وظهور مشكلات على صعيد العلاقات ـ وهي مؤشرات توحي بحدوث إدمان محتمل.
وفي تلك الأثناء، توصلت عدد من الدراسات الأحدث إلى وجود تشابهات بين استخدام شبكات التواصل الاجتماعي والسلوك الإدماني. على سبيل المثال، خلصت تجارب إلى أن الحرمان من الهاتف الذكي يثير أعراضاً، منها القلق لدى الشباب، ظاهرة تحمل تشابهاً واضحاً مع أعراض التوقف عن تعاطي المخدرات.
بيد أن ذلك لا يعني بالتأكيد أن كل شخص يستخدم شبكات التواصل الاجتماعي مدمن بالضرورة. وتوضح أدلة أن الاستخدام المعتدل لمثل هذه الشبكات ليس ضاراً؛ الأمر الذي يتوافق مع تجربتي الشخصية - فقد وجدت أنني أشعر بسعادة كبيرة من تفاعلي مع «فيسبوك» الذي أتعامل معه بصورة معتدلة، لكنني غالباً ما أشعر بتوتر وقلق إزاء «تويتر» الذي استخدمه بمعدل أكبر بكثير.
الواضح أن الأفراد الأكثر استخداماً ربما يكونون هم المعرضين للخطر الأكبر. وقد خلص مسح أجري مؤخراً إلى أن ربع الأميركيين موجودون عبر الإنترنت (أونلاين) «بصورة شبه دائمة». كما تكشف مؤشرات إلى أن ثمة تزايداً مستمراً في معدلات استخدام شبكات التواصل الاجتماعي عبر مختلف أرجاء العالم.
وبينما كان يعرض الإنترنت في وقت مضى ملاذاً للهرب من العالم الواقعي، فإن العالم الواقعي أصبح اليوم ملاذاً يحتاج إليه الناس بشدة للهرب من الإنترنت.
والآن، من المهم التأكيد على أنه لمجرد أن أحد المنتجات تضر بعض الأشخاص، فإن هذا لا يعني أنها ضارة للمجتمع بوجه عام. على سبيل المثال، تقتل السيارات عشرات الآلاف سنوياً داخل الولايات المتحدة، وبالتأكيد تشكل مصدر تهديد أكبر عن إدمان شبكات التواصل الاجتماعي. إلا أن أحداً لا يفكر في حظر السفر بالسيارات؛ نظراً لأن فوائد ذلك بالنسبة لاقتصادنا وحياتنا الاجتماعية ضخمة للغاية.
كما أن المواد التي تؤدي إلى الإدمان ليست دائماً سيئة، فالكثير من الأميركيين يستهلكون الكافيين يومياً وغالباً بكميات كبيرة. وقد لمح بعض الاقتصاديين إلى أن إدمان مادة ما ينتج من قرار واعٍ نابع من اختيار المستخدمين دفع مال مقابل حصولهم على متعة معينة.
إلا أن هناك اقتصاديين آخرين يعتقدون أن الإدمان ربما ينبع عن قصر النظر، فعندما يميل الناس في تفكيرهم نحو التركيز على المدى القصير على نحو لا يدركونه، فإنهم ربما يظنون عن طريق الخطأ أن باستطاعتهم السيطرة على أنفسهم والتوقف عن تعاطي مادة تسبب الإدمان في المستقبل. إلا أنه عندما يتمكن الإدمان من المرء، فإنه ربما يجد نفسه محصوراً داخل موقف لم يكن ليختاره أبداً لو علم حقيقته.
في الحقيقة، يبدو هذا التفسير للإدمان صحيحاً بالنظر إلى حقيقة أن من لم يسقطوا في هوة الإدمان لا يعرفون حقيقته - مثلاً، بمقدوري أن أقول لنفسي أن باستطاعتي التوقف عن تدخين السجائر بسهولة، لكن ليس ثمة سبيل للتأكد من ذلك إلا بعد فوات الأوان.
وإذا كانت شبكات التواصل الاجتماعي بالفعل تؤثر على الكثير من المستخدمين على نحو يشبه تأثير السجائر أو الهيروين، فإن ذلك يعني أن المنافع المترتبة عليها أقل مما يبدي الناس استعدادهم دفع المال مقابل الحصول عليه.
والواضح أن ثمة حاجة إلى إجراء مزيد من الأبحاث حول هذا الأمر قبل أن نجزم بأن شبكات التواصل الاجتماعي تكافئ التبغ. وحتى لو كان الحال كذلك، يجب أن يكون الضرر ملموساً وواضحاً كي نتمكن من الضغط على الحكومة لإقرار سياسات تقلص النافذة المتاحة لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي ـ الأمر الذي يبدو غير محتمل. وبينما أعلن كارل ماركس أن الدين أفيون الشعوب، ربما يكون الرأسماليون اليوم قد ابتكروا نوعاً أفضل من الأفيون.
- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»