مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

ماذا بعد القرارات الأممية بشأن إيران؟!

الامتداد التاريخي، والعمق الزمني أحد العناصر المعززة للشعور بالذات الذي يبلغ في بعض مراحله درجة الطغيان على الواقع وغياب الوعي بالحقائق، ويتشابه في ذلك الأفراد والدول. لدينا ها هنا برهان صحيح يقدم لنا كل أفعال طهران التي تتسم به، وهو الشعور بالعظمة وتطبيق مبدأ قديم فارسي يحث على الاستيلاء والتمدد؛ ففي إيران نجد أن تعريف العظمة الفارسية مطابق لمعنى الاستيلاء على الأراضي العربية على مدى قرون، حتى في أواخر القرن الواحد والعشرين ازداد المخطط اتساعاً، وتم السطو على عواصم عربية عدة تم فيه سفك الدماء وسلب الثروات النفطية، وممارسة كل أنواع الفساد والسعي بكل حقد وكراهية لتخريب البنية التحتية لهذه الدول واختراق سرية حكوماتها.
والمتابع السياسي يجد أن كل ما فعلته إيران هو أنها استغلت الفرص التي أتاحها لها ولاء جماعات طائفية تماهت مع النزعة الفارسية في تهديد وحدة الدول العربية، ثم جاء الربيع العربي سيئ الذكر لتجد فيه مناخاً مناسباً لعلو خبثها؛ مما عزز الفرصة أكثر للتوغل الفارسي في كيانات الأنظمة في تلك العواصم المستهدفة، والسطو على مكانتها كقوة تكشف كل شيء بطرائقها الخاصة، وتمتهن كل الحقول التي صنعها العرب.
وسوء سلوك هذا العدو وخبث سياسته كانا سبباً في تجريم تدخلاته السافرة في شؤون دول المنطقة، إلا أن قضية الاحتلال وحيازة الأرض لم تكن وليدة اللحظة، بل هي مخطط قديم خلقته نزعة دينية ملالية متطرفة وقومية فارسية بغيضة اصطدمت منذ بدايتها بموقف سعودي صلب يستمد قوته من تاريخه العربي والإسلامي والسياسي الحكيم، تمثل في إحدى صوره في وقوف السعودية، والتصدي لإيران في الآونة الأخيرة؛ فقد تصدت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها لهذه السياسة وكشفت المخططات والمؤامرات التي تُعرض على مسرح المنطقة السياسي بمنطق وفعل فارسي مشوه ينفصل عن غاية أخلاقية انطبع تأثيرها لدى العالم.
وتحت هذه الظروف، لم يكن من المستغرب دعوة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، المجتمع الدولي لفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية على إيران؛ وذلك تفادياً لأي مواجهة عسكرية في المنطقة.
هذا الموقف السياسي القائم على ضبط النفس من قبل السعودية، يسمح للولايات المتحدة، بالمقابل بأن تلعب دوراً مركزياً في الشرق الأوسط،، وبخاصة بعد كشف الهشاشة الضمنية لملالي طهران ونواياهم التوسعية، وانتهاك سيادة الدول وتهديد المواطنين الآمنين بإرسال الصواريخ الباليستية على المدن السعودية، تبع ذلك إدانة أعضاء مجلس الأمن بأشد العبارات الممكنة إطلاق الحوثيين صواريخ باليستية إيرانية الصنع على مدن سعودية بما فيها العاصمة الرياض، وفي الظروف العالمية الراهنة تم كشف تواطؤ سياسات طهران مع حكومات عدة لا تحتاج إلى مزيد من التبرير أو التفسير.
وأضفى على الأجواء مرور ثلاثة أعوام على عاصفة الحزم لإيقاف المد الإيراني في المنطقة واستعادة الشرعية للحكومة اليمنية على أراضيها، وهو المهم في رقعة العالم العربي، وسيكون لتحذير أعضاء مجلس الأمن من إعلان الحوثيين نيتهم مواصلة هذه الهجمات ضد السعودية وضد دول أخرى في المنطقة، منحى آخر ونتائج ناجمة عن تأثير بعيد المدى، وأمر ملح في هذه المرحلة من أجل تغير الوضع، حيث ينطوي على تحولات جوهرية أكثر تجانساً إلى حد ما من الناحية السياسية.
ومما يزيد من مرونة الأمور مكانة ولي العهد السعودي وزير الدفاع ورئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية الأمير محمد بن سلمان، في العالم، ووجوده بالولايات المتحدة لنقله الصورة كاملة عن العبث الإيراني والميليشيات الحوثية، فعلى الرغم من ثراء معلومات كاملة عن تجاوزات إيران، دعا مجلس الأمن جميع الدول الأعضاء إلى تطبيق كامل لحظر توريد الأسلحة كما هو مطلوب في قرارات مجلس الأمن بما فيها القرار رقم 2216. ولهذا؛ ينبغي النظر إلى إيران ليس بصفتها جزءاً من المشكلة في المنطقة فحسب، بل مشكلة كاملة من وجهة النظر السياسية لدواعٍ خطيرة تنتهي بتمويل الإرهاب في العالم.
وفي الواقع، لا أحد ينكر أن السياسة التخريبية الإيرانية المستمرة في إشعال المنطقة تهدف إلى تنامي الخطر المدمر، وعلى العالم أن يدرك أن التحرك السعودي يصب في صالح شعوب المنطقة والسلم العالمي على المستوى القريب والبعيد.