محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

آداب المقاطعة بين الشرق والغرب

ليس صحيحاً أن الشعوب الأنغلوسكسونية، كالبريطانيين والأميركيين، هم أفضل من غيرهم في الحوار، أو بمعنى أدق في ممارسة الإصغاء من دون مقاطعات مزعجة.
باحث ياباني حاول التعمق في فهم تلك الاختلافات، فجاء بمشاركين من أقصى الشرق (اليابانيين)، وآخرين من أقصى الغرب ناطقين باللغة الإنجليزية كلغة أم (إنجليز وأميركيين)، فلاحظ أن عينة من الشعوب تختلف في كيفية ممارسة المقاطعة أثناء الحوار؛ فتبين مثلاً خلاف الاعتقاد الشائع، وهو أن الناطقين بالإنجليزية أكثر ممارسة للمقاطعة في الحوار بشقيها التعاوني (الإيجابية) أو الاقتحامية أو التطفلية intrusive (السلبية). وهذا لا يعني أن حوارات اليابانيين المشاركين كانت خالية من المقاطعات، لكن المفارقة كانت أن ممارسة المقاطعة التي تقطع حبل أفكار المشاركين عبر تغيير الموضوع أو إبداء الاختلافات بحدة كانت قليلة للغاية بحسب الباحث كي موراتا في بحثه الذي نال عليه شهادة الدكتوراه وأصدره في أبحاث عدة منشورة. فحينما تحدث اليابانيون مع بعضهم البعض كانوا أقل مقاطعة من تلك اللحظات التي تحاور فيها اليابانيون مع إنجليز أو أميركيين. وهذه الاختلافات تشير إلى أن الاختلافات في القيم بين الشعوب تنعكس بصورة أو بأخرى في الحوارات. فالناطقون بالإنجليزية يعتبرون المقاطعة بشقيها نوعاً من أنواع التفاعل مع الآخرين، في حين يبدو أن اليابانيين لا يحبذون المقاطعة في نقاشاتهم، باستثناء المداخلات ذات الطابع التعاوني اللطيف، بحسب الباحث.
وما لفتني أيضاً أن هذا البحث المعمق قد كشف لنا ما عرف في أبحاث سابقة، وهو أن المستمعين لحوارات اليابانيين ربما يلاحظون أنها ذات طابع يميل لمراعاة الطرف الآخر كاحترام مشاعره، وهو قد يعد نوعاً من الإذعان أحياناً، أو نابعاً من أن احترام كينونة المتحدث هو أمر واجب في الحوار، فلا نزعجه بكثرة المقاطعات، في حين أن الناطقين بالإنجليزية يقدرون وجوب التعاون في الحوار والتضامن والمشاركة، هذا كلها أكدتها دراسات عدة.
هذه الومضة العلمية تظهر لنا، حجم المعلومات التي نجهلها عن الآخرين، خارج العالم الغربي، والسبب في رأيي يكمن في انغلاقنا على اللغة العربية، وإذا انفتحنا بدأنا نتابع الإعلام الغربي (الإنجليزي والأميركي) ونبقى مثل سائر الشعوب أسرى لأبحاثهم المنصبة أصلاً على دولهم، في حين تئن مكتباتنا ودورياتنا العربية من شح الأبحاث التي تسبر أغوار الثقافات الأخرى كالروسية والهندية واليابانية والصينية والإسبانية واللاتينية وغيرها ممن يملكون رصيداً هائلاً يستحق أن نترجمه للغة الضاد. ولذا فأنا مع فريق الداعين للاتجاه شرقاً وشمالاً وجنوباً في بعثات الطلبة العرب لنكتشف العالم بعيون غير غربية، ونثري ثقافاتنا الأصيلة وحواراتنا بأفضل ما تمتلك تلك الشعوب وفي مقدمتها آداب الحوار، شغفي الدائم.