عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

«عاقب مسلماً»... تجدد النقاش حول خطاب الكراهية

في خطاب ألقاه أول من أمس قرأ عمدة لندن صادق خان على الحضور ستة نماذج من رسائل الكراهية والعنصرية الكثيرة التي يتلقاها على «تويتر» ووسائل التواصل الأخرى؛ ليسلط المزيد من الأضواء على ظاهرة الإسلاموفوبيا والعنصرية بشكل عام. رسائل مثل التي تقول: «اقتلوا صديق خان، بهذه الطريقة نكون قد تخلصنا من مسلم إرهابي واحد»، أو تلك التي تقول: «رحّلوا كل المسلمين واجعلوا لندن بيضاء مرة أخرى، وبذلك تنتهي كل المشكلات».
خان أوضح أنه عندما يعرض هذه الرسائل فإنه لا يبحث عن تعاطف شخصي، وإنما يود التنبيه إلى تأثير خطاب العنصرية والكراهية على الأجيال الجديدة من الأقليات التي قد تتردد في طرق مجال السياسة والعمل العام لكي لا تتعرض إلى مثل هذه الحملات من الحقد العنصري والتهديدات. كما أشار إلى المسؤولية التي تقع على عاتق الحكومات وصناع القرار وشركات الإنترنت، خصوصاً منصات التواصل الاجتماعي لمواجهة ظاهرة بث الكراهية، داعياً إلى خطوات ملموسة حتى لو تطلب الأمر سن قوانين تلزم الشركات بحجب رسائل التحريض على الكراهية والأخبار المفبركة التي من شأنها الإضرار بالناس والسلم الاجتماعي.
خطاب عمدة لندن جاء في الوقت الذي تحقق فيه أجهزة الشرطة البريطانية، بما فيها أجهزة مكافحة الإرهاب، في المنشورات التي أرسلت لمسلمين في عدد من المدن البريطانية منها لندن وبيرمنغهام وبرادفورد وشيفيلد وليستر، وفيها تحريض للاعتداء عليهم وعلى مقدساتهم ودور العبادة. وحددت المنشورات الثالث من أبريل (نيسان) «يوماً لمعاقبة مسلم» وأعطت نقاطاً وهمية لكل شكل من أشكال الاعتداء مثل 10 نقاط لمن يشتم مسلماً، و25 نقطة لمن ينزع حجاب مسلمة، و100 نقطة لمن يضرب مسلماً، وصولاً إلى 500 نقطة لمن يقتل مسلماً، وألف نقطة لمن يحرق أو يفجّر مسجداً.
المنشورات التي وصلت أيضاً إلى نواب مسلمين في البرلمان قوبلت بإدانة شديدة من الحكومة والمعارضة والبرلمان والشرطة باعتبارها خطاباً مرفوضاً لبث الكراهية والتحريض على العنف، وعنصرية لا مكان لها في المجتمع. وفي مقابل الدعوات لتوخي الحذر في اليوم المضروب، كانت هناك أيضاً إشارات إلى أن هذه المنشورات تأتي في إطار ارتفاع ملحوظ في «الإسلاموفوبيا» وموجة العداء للأقليات المختلفة والمهاجرين، لا في بريطانيا وحدها، بل في كثير من الدول الأوروبية والغربية عموماً، بما في ذلك الولايات المتحدة. فأرقام وزارة الداخلية البريطانية مثلاً تشير إلى أن جرائم الكراهية والعنصرية ارتفعت بأكثر من 20 في المائة في 2016 (العام الذي أجري فيه استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، حيث سجل ما يزيد قليلاً على 80 ألف جريمة كراهية. والظاهرة ذاتها تتكرر بنسب متفاوتة في عدد من الدول الغربية التي شهدت تزايداً في حوادث التعرض للأقليات والمهاجرين، ونمواً في خطاب الكراهية، وصعوداً لحركات اليمين المتطرف.
وعلى الرغم من أن هناك أسباباً كثيرة للظاهرة بدءاً من تأثير حوادث الإرهاب، مروراً بتزايد موجات الهجرة الاقتصادية أو تلك الناجمة عن الأزمات والحروب، وانتهاء بالمشكلات والضغوط الاقتصادية في الغرب والعالم عموماً، فإن هناك أيضاً من يرى أن الإعلام لا يقوم بدور كافٍ لمواجهة العنصرية وتنامي الكراهية، بل إن قسماً منه يغذي هذه الظواهر أحياناً بالتغطية السلبية واستخدام مفردات وعناوين تؤجج المشاعر على الأقليات والمهاجرين. وإذا كان الإعلام التقليدي تعرض لنصيبه من النقد والتمحيص، فإن الأنظار تتجه اليوم صوب «الإعلام الحديث» الذي ازداد انتشاراً ونفوذاً مع الثورة الإنترنتية وصعود وسائل التواصل الاجتماعي.
الفضاء الإنترنتي فتح للناس آفاقاً جديدة، ومنحهم حرية هائلة وسرعة غير مسبوقة في التواصل وتناقل الأخبار والمعلومات. لكن مع إيجابياته الكثيرة، فإنه حمل معه سلبيات وتحديات جديدة؛ إذ أصبح أيضاً ساحة لتناقل وترويج الأخبار المفبركة، والفيديوهات المركبة، والمواد التحريضية، وبدأت دول وأجهزة أمنية تستخدمه لبث رسائل للتأثير على الرأي العام في الداخل، أو سلاحاً في الخارج موجهاً لضرب الاستقرار السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي. نتيجة لذلك؛ تحركت بعض الدول للضغط على شركات الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي الكبرى لتحمل مسؤولياتها واتخاذ خطوات للحد من هذه الظواهر والاستخدامات السلبية وإلا اضطرت الحكومات إلى سن قوانين تلزمها بذلك، على غرار ما فعلت ألمانيا التي سنّت تشريعاً يسمح بفرض غرامات ضخمة قد تصل إلى 50 مليون يورو على شركات مثل «تويتر» و«فيسبوك» و«يوتيوب» وغيرها من منصات التواصل إذا فشلت أو تأخرت في إزالة وحجب خطابات الكراهية، أو الأخبار المفبركة، بالسرعة المطلوبة.
المهمة ليست سهلة وقد تستغرق وقتاً، كما أن أي ترتيبات جديدة قد لا تقدم درعاً كافية وضامنة لعدم تسرب أي مواد تحض على الكراهية والأخبار المفبركة التي ترمي للتشويش على العقول أو تسميم الأجواء، وذلك بالنظر إلى حجم المواد التي يجري تداولها في كل ثانية على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، لكنها تبقى خطوة مطلوبة للتعامل مع الآثار السلبية التي ظهرت؛ وذلك حماية للناس... ولثورة تقنية حققت أيضاً فوائد هائلة لا يمكن إنكارها.