محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

تلفزيون شجاع

البريطانيون كان لديهم باري نورمان مقدّماً لبرنامج ناجح عن السينما يجلس فيه الناقد الراحل، قبل أقل من سنة لينقد أفلام الأسبوع.
الأميركيون كان لديهم سيسكل وإيبرت، الثنائي الفريد الذي كان يجالس المشاهدين لاستعراض أفلام الأسبوع وإعطاء الحكم الباتر.
الأميركيون، فيما بعد، أصبح لديهم روجر إيبرت وحده، بعدما توفي صديقه وغريمه في آن جين سيسكل. إيبرت أكمل المشوار وحده باستثناء أنه جمع في كل حلقة ناقداً مختلفاً.
ربما في فرنسا، وليس لدي الوقت لكي أتابع محطاتها العديدة، لديهم ناقد سينمائي على الشاشة الصغيرة بنجاح الأمثلة الثلاث المذكورة. ربما هناك واحد في كندا أو المكسيك... لكن عندنا في العالم العربي: زيرو!
نعم هناك برامج سينما في العديد من المحطات لكن الكثير منها مستورد مع ترجمة المعلومات وبثها متأخرة نحو أسبوع واحد على الأقل عما جمعه المشاهد نفسه من معلومات عن المواقع. هم العباقرة الذين قدّر لهم التفكير عنّـا هو تقديم فتاة رشيقة لكي تلقي كلماتها وهي تتغنج. كما لو أن هذا سيجلب زبائن بالتأكيد.
إلى جانب هذه الكثرة من برامج «طق الحنك» هناك نقاد يظهرون على الشاشات بالفعل ليحتلوا بعض الرقعة الشاغرة ويدلوا بآرائهم عن الأفلام وعن المواضيع السينمائية المختلفة التي تنضح بها.
لكن هل هناك من ناقد واحد حقق النجاح الآثر الذي أنجزه أهل الغرب؟
لا.
والسبب هو أن النجاح ليس محدداً فيما يُـقال، بل كيف يُـقال. وليس في وجود برنامج نقدي، بل كيف يتم تقديم هذا البرنامج النقدي. ليس في نقد الأفلام والإسراع في تبني رأي عن كل واحد منها، بل فيما يكتسبه المشاهد من معلومات خلال ذلك.
ثم هناك الحضور الواثق. بينما كان روجر إيبرت ما زال ملك النقد السينمائي على الشاشة الصغيرة، حتى بعد إصابته بالسرطان، كان هناك من بيننا من يظهر ليقول: «ستيفن سبيلبرغ، إذا كنت تريد، هو أحد أهم السينمائيين في أميركا». هل المسألة تحتاج إلى «إذا كنت تريد»؟ إنها واقع. وآخر كان يقول: «أما الإخراج فهو مشوق تماماً وقد نجح المخرج في تقديم فيلم جيد». عبارة لا معنى لها، فالإخراج ليس هو المشوّق ومن البدهي أن يسعى المخرج لصنع فيلم جيد... لكن هل حقق الفيلم الجيد فعلاً وكيف؟
باري نورمان (الذي تسلمت دعوة لحضور حفل خاص لذكراه قريباً) كان له حضور يحتل الأهمية الأولى... حضور رجل ملم بما يقوله ويعرف كيف يقوله لكي يثير حول الفيلم كل علامات الاستفهام الصحيحة موفراً المعلومات التي ستحرك المشاهد لا لتبني الرأي النقدي (هذا لا يهم كثيراً) بل لمشاهدة الفيلم أو الاقتناع بعدم مشاهدته. إيبرت كان النسخة المؤثرة بوفرة معلوماته ومنحاه غير المهادن. ليس أنه ليس بيننا نقاد صالحون، بل ربما ليس بيننا تلفزيون شجاع.
ليس هناك من محطة أراها اليوم تؤمن بأن الثقافة هي من عليها أن تنقل العالم العربي إلى الأمام وليس أي فاعل آخر. أجد مسؤولين يؤمنون ربما بذلك لكن حين الجد يتوارى إيمانهم هذا بعيداً ولا يلعب الدور البناء المفيد للفرد والمجتمع.