علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

كسر التابو

تعاني الدول العربية من رهاب اقتصادي تجاه مشاركة الدول الأجنبية في الاستثمار فيها أو حتى من الأفراد غير المواطنين، ويمكن حصر مجموعة من الأسباب دفعت إلى ذلك، أولها أن الدول العربية حديثة الاستقلال عن المستعمر، والمستعمر جاء للسيطرة على ثروات البلاد فكانت تعتقد أن فتح الاستثمار للأجنبي سيُعيد الاستعمار مرة أخرى؛ بعد ذلك تطورت النظرة لتصبح حسداً، فكثير من المسؤولين العرب يطرحون سؤالاً: ماذا يريد المستثمر الأجنبي منّا؟ إنه يريد الربح، فتأتي الإجابة: «نحن أولى بالربح من الأجنبي». ولكن ومع الأسف تستمر الأرض أو المشاريع دون استثمار، فلا تعود بعائد ربحي لا على الأجنبي ولا على الوطن. ثم تطور الأمر ليخرج لنا سبب ثالث مقتضاه رغبة الموظف الحكومي في مشاركة المستثمر في ماله مقابل إعطائه الفسوحات والتسهيلات اللازمة لقيام مشروعه، أي أن تُفرض على المستثمر «إتاوة»، كأننا في زمن الغاب.
ويمكن القول إن ما ينطبق على المستثمر الأجنبي ينطبق على المستثمر العربي، لذلك لم تنشط التجارة البينية بين الدول العربية رغم مناداة العقلاء من العرب ومحاولة جامعة الدول العربية تنشيطها، ورغم الكثير من الاتفاقيات الثنائية التي توقَّع بين الدول العربية لتنشيط هذه التجارة ولكن هذا التنشيط لم يحدث!
زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمصر الشقيقة كسرت هذا التابو عبر إنشاء صندوق للاستثمارات بـ10 مليارات دولار يستثمر في «نيوم» المصرية، وتكون مشاركة مصر عبر تأجير أراضيها، فيكسب الطرفان ويجد المواطن وظيفة من خلال نشاط الأعمال.
لن أتحدث عما تم في الزيارة، لأن الصحف قد نشرته، ولكن ما أريد الحديث عنه وما يعد خطوة نحو الأمام، وهو قبول الدول العربية الاستثمارات الأجنبية عبر تأسيس ولي العهد السعودي قاعدة المشاركة عبر الصناديق، وللحفاظ على هذه المكاسب لا بد أن تعي الدول المستثمَر بها أن عليها إيجاد نظام استثماري واضح وثابت، وإبعاد تدخل الموظفين المرتشين، وحماية هذه الاستثمارات، وأخيراً يجب أن تعي أن المستثمر الأجنبي ليس لصاً ولكنه شريك يهمه مصلحة مشروعه الذي إذا ازدهر عاد على جيبه بالفائدة وعلى المكان المستثمَر به بالفرص والحياة.
ومن المتعارف عليه في الأعمال التجارية وجوب عدالة العقود، فيجب أن تكون العقود عادلة للطرفين لأن العقود إذا كانت غير عادلة لا تنفَّذ سواء كانت بين الأفراد أو الدول. كسْر ولي العهد لهذا التابو الاقتصادي المخيف أمر يُحسب له وسيعود على الدول العربية بالخير، ويكفي أن تعرف أن 70% من موارد إمارة دبي عبارة عن رسوم تتقاضاها الإمارة عن الخدمات التي تقدمها.