د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

الجنوب الليبي والصراع المتجدد

الصراع المحتدم في الجنوب الليبي يتم اختزاله على أنه صراع قبلي محلي، لا يتعدى المنازعات التقليدية المعروفة، وهذا غير دقيق وغير صحيح بالمطلق؛ لأنه في الأصل صراع المال والنفوذ ومحاولة السيطرة على المنافذ الحدودية من ميليشيات وعصابات خارجة عن القانون، تتنازع فيه ميليشيات من دول الطوق الأفريقي من تشاد والسودان والنيجر ومالي استخدمت الأراضي الليبية مكاناً لبسط نفوذها المفقود في بلدانها، وميليشيات أخرى محلية تتلبس بالانتماء القبلي، لتكسب حاضنة وحصانة مجتمعية، تستخدمها دول غربية مثل إيطاليا وفرنسا اللتين تتنازعان النفوذ والاستحواذ على الثروات في الصحراء الليبية، وهذا جراء ضعف الحكومة وإهمالها الجنوب، بل إن تصريحات المجلس الرئاسي للوفاق لم ترق إلى مسؤولية وحجم الحدث عندما زعمت وجود محاولات «تغيير ديموغرافي» في المنطقة، وهذا غير دقيق مطلقاً، ويعتبر محاولة الإيحاء بصراع «إثني» محلي، في حين هو هجمات لميليشيات عابرة للحدود لا تحمل الجنسية الليبية قد لا يكون همها الاستيطان بقدر همها نهب الثروات والسيطرة على معابر التهريب إلى أفريقيا، حيث تعتبر مدينة سبها جنوب ليبيا هي بوابة مدخل أفريقيا؛ ولذلك يعتبر التلميح أو حتى الإيحاء بوجود صراع إثني محلي هو بمثابة زرع فتنة من مجلس يفترض أنه يجمع الليبيين بشتى مكوناتهم، ولا يخلط الأوراق لأجندات خاصة، صحيح أن للصراع بعض الجذور القبلية وامتداداً قديماً متجدداً، لكن اليوم تدخلت فيه أطراف خارجية استعملته والفراغ الأمني وغياب الحكومة المركزية وضعف حماية الحدود في توظيف مشروعات خاصة لها، كما تسبب الصراع في وجود الميليشيات والعصابات الإجرامية، التي استعمالها حتى الدول الغربية ومنها إيطاليا وفرنسا اللتان تعبثان بالجنوب الليبي.
وهكذا نشاهد هذه العصابات الإجرامية تمرح وتسرح في الجنوب وعلى الحدود التي كانت بالأمس لا يتجاوزها حتى غزال شارد، دون معرفة السلطات، ونراها اليوم مرتعاً للمهربين والقتلة والإرهابيين الذين يستعملونها في شتى الأغراض دون رادع ولا رقيب إلا ما ندر. يحدث هذا في ظل انشغال الجيش الوطني بمحاربة العصابات الإرهابية المدعومة من جماعات الإسلام السياسي التي تريد أن تسيطر على مدن ليبيا الرئيسية حتى يتسنى لها تنفيذ برنامجها وأجنداتها وفرضها بالقوة على الشعب الليبي الرافض لها.
الجنوب الليبي يعاني من متلازمة الإهمال، والجوع، والعطش، والظلام، وندرة الوقود، رغم أنه منبع الماء والنفط الذي يصبّ في الشمال، الجنوب يعاني من نزاعات محلية وعداءات وثارات قبلية متوارثة؛ مما قد يتسبب في إعادة إشعالها من جديد.
تسلل الميليشيات وعصابات اللصوص الإجرامية وحتى الإرهابية المحلية وأخرى خارجية، مثل ميليشيات الدازقرا التشادية، وميليشيات الزغاوة ميليشيات العدل والمساواة السودانية، وميليشيات الحركة من أجل «الديمقراطية والعدالة»، والقوات «الثورية» من أجل الصحراء، وغيرها الكثير، التي استغلت حالة الفراغ الأمني في الجنوب، إضافة إلى دول معروفة تغذي هذه الجماعات الإرهابية للعبث بأمن البلاد، وإبقائها رهناً للفوضى الدائمة.
في ظل هذا العبث لا يمكن أن يقف الجيش الليبي متفرجاً، فلا بد من دعم قواته وتعزيز وجودها، وبخاصة اللواء السادس ليضع حداً لهذه العصابات التي استخدمت الصراع القبلي والإثني في سبها؛ مما جعل المدينة تحت ثلاثية القصف العشوائي والظلام والعطش.