طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

«إن كنت ناسي أفكرك!»

لا أحد يصنع نجومية أحد، ولكن هناك من لديه حاسة اكتشاف النجوم والدفع بهم لأفاق أرحب؛ كل ذلك لو ارتبط أيضاً بحس يعرف بالضبط مفردات السوق لتحقق نجاحاً استثنائياً، البعض يطالب بالثمن، وينتظر ممن أطلقه يوماً أن يظل حتى نهاية العمر مردداً كلما رآه نشيد الطاعة والولاء.
في العادة كبار النجوم الذين يسيطرون على الساحة لا يرحبون غالباً بمن يأتي بعدهم، هم يستشعرون أن الجيل الجديد قادم... قادم من أجل أن يقوض نجوميتهم ويضعهم خارج الخط، بينما هناك أقلية لديهم استعداد للتعامل مع حقيقة الزمن، يؤمنون بالحكمة الشهيرة «لو دامت لغيرك ما وصلت إليك». الأغلبية تسعى لتثبيت الوضع كما هو عليه، طالما جاءت إليك فلن تسمح بها لغيرك!
لدينا فنانان كبيران، والمشترك بينهما عادل إمام، عندما تألق عادل وسعيد صالح ويونس شلبي في «مدرسة المشاغبين»، أكثر مسرحية عربية حققت رواجاً جماهيرياً في نصف القرن الأخير، اكتشف مدبولي أن الضحك الصاخب منبعه الحقيقي عادل ورفاقه، وأن هناك شفرة جديدة للكوميديا فرضت نفسها، كان يعز عليه أن يظل فترات طويلة في حجرته بالكواليس يستمع فقط لضحكات الجمهور لنجوم الكوميديا الجدد الذين باتوا يسيطرون بمساحات زمنية أطول على خشبة المسرح.
حاول - دون جدوى - تقليص أدوارهم وضحكاتهم بحجة أنهم يخرجون على النص، ولهذا لم يجد سوى أن يهدد بالانسحاب من العرض، ولأن منتج المسرحية مبدأه هو «من يكسب به يلعب به» فلقد ضحى بمدبولي، وعندما التقيا مجدداً، أقصد عادل ومدبولي في فيلم «إحنا بتوع الأتوبيس»، ومنعاً للتناحر المرتقب رفع مخرج الفيلم حسين كمال «يافطة» في الاستوديو مكتوب عليها ضرورة الالتزام الحرفي بالسيناريو والحوار، وبالطبع فإن السيطرة ممكنة على الفنان الكوميدي أمام الكاميرا، بينما من المستحيل تحقيقها على خشبة المسرح، حيث تُصبح العصمة بيد النجوم.
تأملوا الوجه الآخر من الصورة، كيف تعامل فؤاد المهندس مع نجاح عادل إمام؟ تاريخياً فؤاد هو الذي منح عادل أول إطلالة جماهيرية في مسرحية «أنا وهو وهي»، وكانت تلك اللزمة «بلد شهادات صحيح» التي يرددها دسوقي أفندي وكيل المحامي هي جواز مرور عادل لقلوب الملايين من العرب.
يجب أن نذكر شيئاً نضعه بين قوسين، (أن من تقاليد المسرح الخاص كانت ولا تزال أن النجم الذي يقطع الجمهور من أجله تذكرة الدخول يملك الكثير من الأوراق على كل مفردات العمل الفني)، ولهذا لو لم يرد فؤاد المهندس أن يردد عادل تلك اللزمة، لتوقف عادل فوراً عن ترديدها، ولكن المهندس الذي كان يحمل لقب الأستاذ، امتلك قلباً أبيض اتسع للجميع.
عندما وجد أن الجمهور سعيد بتلك «اللزمة» كان مشجعاً لعادل على تكرارها، وبعد أن حقق عادل نجومية طاغية في شباك تذاكر السينما، لم يجد الأستاذ المهندس حرجاً في أن يسبقه عادل إمام في «التترات» و«الأفيش» في أفلام مثل «خلي بالك من جيرانك» و«خمسة باب»، من دون أن تلمح أبداً في عينيه لوماً وعتاباً لو أحلته لكلمات لأصبحت مفرداته هي «إن كنت ناسي أفكرك»!!
أتذكر أنني سألت عمر الشريف كيف وافق على أن يسبقه عادل إمام في «تترات» و«أفيش» الفيلم الوحيد الذي جمع بينهما (حسن ومرقص)؟ أجابني «أنا مش ح تفرق معي، ولكن مع عادل ح تفرق كتير»، هكذا يتعامل الكبار في تلك التفاصيل الصغيرة لأنها «ولا تفرق معهم»!