خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

مخلفات صدام

هناك واحدة من المشاكل التي لم يلتفت إليها أحد بالنسبة لتركة صدام حسين. لم يفكروا فيها، لا في بغداد ولا واشنطن ولا في لندن. لم يحسبوا لها حسابها ولا خصصوا لها ما يلزم من النفقات في الميزانية. والمشكلة هي مخلفات صدام وزبالة حزب البعث بكاملها. ما أقصده بهذه المخلفات والزبالة، ألوف الكتب والنشرات والتصاوير والكاسيتات والأفلام المتعلقة به وبحكومته وعائلته وحزبه. ملأت هذه المطبوعات سراديب ومخازن سائر المؤسسات والسفارات. سيقول القارئ «خلي يحرقوها ويتخلصون منها». ولكن هذا شيء يسهل قوله ويصعب تطبيقه. ألوف الكتب والكاسيتات والأفلام. كيف تستطيع حرقها في هذه الأيام التي يحرص الناس فيها على البيئة والجو. وما شاء الله بلادنا بفضل ما خلفه صدام ويخلفه الإرهابيون كل يوم تلبدت سماؤها بالسموم. يعني خطب صدام أماتت الناس في زمنه وظلت تميتهم بعد مماته.
هذه مشكلة. وهي في العالم الغربي مشكلة مكلفة لأنه لا يجوز عندهم حرقها أو ردمها في الأنهار والمجاري. وهذا شيء عرفته في السفارة العراقية بلندن، فكلما حصل انقلاب أصدرت الحكومة الجديدة مطبوعاتها الإعلامية. تمتلئ غرف السفارة بهذه المطبوعات والتصاوير. تمر بضعة أشهر ويحصل انقلاب جديد. تصدر الأوامر بإزالة كل مطبوعات النظام السابق وتصاوير الرئيس. يتلقى بواب السفارة المستر دنكان الأمر بإزالة كل مخلفاته. هذا كان خائناً وعميلاً للاستعمار. أزحها عن بكرة أبيها. يقضي البواب نهاره في ردم هذه المخلفات في سراديب السفارة.
أتذكر يوماً دخل على السفير ضاجاً. «سيدي هذي كل السراديب امتلأت بزبالات الحكومة، عفواً أقصد بزبالات الخونة. ما الحل؟ كيف نتخلص منها؟ وإذا سقطت هالحكومة أيضاً، وين نحط زبالتها؟ ما بقي مكان سيدي في السفارة»!
بعد عدة أيام من المداولات، اتفقوا مع شركة بريطانية محترمة ومتخصصة في إتلاف القمامة. جاءت الشركة بشاحناتها ورافعاتها وصناديقها وقضت يومين في التخلص من كل شيء. وأتذكر أن ممثلها تسلم الشيك من يد السفير وسلمه بطاقتها الشخصية. «سيدي لا تتردد حالما يحصل عندكم تغيير آخر اتصلوا بنا. نحن، أولكي وإخوانه، نغير لكم كل ما في سفارتكم من صور ومنشورات في دقائق!».
لا أدري كم بقي في مخازن السفارة من آثار صدام حسين ومن سبقه وتلاه من صور ومطبوعات وأفلام. لا أتصور أنهم استطاعوا التخلص من كل شيء. فلا أتصور أحداً بز صدام حسين في نشر صوره وتماثيله وخطبه. وطالما تجري في المجلس النيابي مناقشة الميزانية الجديدة فقد قصروا في عدم تخصيص باب فيها لموضوع زبالة الحكومة. فمن يدري أي تصاوير سيقتضي تنزيلها وحرقها وأي تصاوير سيقتضي تأطيرها ورفعها وتعليقها. تكاليف طبعها شيء وتكاليف إتلافها شيء آخر.