عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

وظيفتك في خطر

هل تتخيل سوق عمل تحتدم فيها المنافسة بين الإنسان والروبوت؟
هذا قد يكون التحدي أمام البشرية في مستقبل غير بعيد تنافس فيه الروبوتات والماكينات الذكية الإنسان على الوظائف في كثير من مجالات العمل، وتحل محله بشكل جزئي أو كلي. فاستناداً إلى تقارير ودراسات منشورة سيكون هناك نحو 800 مليون إنسان حول العالم معرضون لفقدان وظائفهم بحلول عام 2030 بسبب استخدام الروبوتات والماكينات الذكية والتقنيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في الأنشطة الصناعية والخدمية والتجارية والمجالات الاقتصادية الأخرى.
في بريطانيا على سبيل المثال، أشار تقرير صدر الأسبوع الحالي عن «مركز المدن» إلى أن نحو 3 ملايين وظيفة قد تفقد في سوق العمل البريطاني بحلول عام 2030 نتيجة استخدام الروبوتات والتقنيات الحديثة. وعلى الرغم من أن التقرير يشير إلى أن هذه التقنيات ستؤدي في المقابل إلى ظهور وظائف جديدة أخرى، كما أن بريطانيا تتوقع أن يضيف قطاع «الذكاء الاصطناعي» نحو 630 مليار جنيه إسترليني لاقتصادها، فإن هذا الأمر لن يكون بلا ثمن. فالخبراء يحذرون من التأثيرات السلبية الناجمة عن الارتفاع المتوقع في نسبة البطالة، ويشيرون إلى أن الوظائف الجديدة التي ستظهر لن تكون كافية لتعويض المفقود في سوق العمل، ولا لامتصاص آثار الصدمة الاجتماعية التي ستحدثها هذه المتغيرات.
بريطانيا ليست الوحيدة بالطبع التي ستتأثر بين الدول الصناعية، فالدراسات تشير إلى أن 31 في المائة من الوظائف ستكون مهددة في اليابان بسبب الروبوتات وتقنيات الذكاء الاصطناعي بحلول 2030، بينما يتوقع أن تصل النسبة في ألمانيا إلى 35 في المائة وفي الولايات المتحدة 38 في المائة. وبحلول عام 2035، فإن نسبة 30 إلى 40 في المائة من الأعمال التي يقوم بها البشر حالياً في الدول الصناعية الأكثر تقدماً، ستؤديها الروبوتات والماكينات والأجهزة التي تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي، سواء في قطاعات الصناعة والصيانة، أو في المواصلات والتخزين، أو في الطب والرعاية الاجتماعية، أو حتى في مجال الإعلام.
في قطاع الصناعة ستبلغ الخسارة في الوظائف التي يؤديها البشر نسبة 46 في المائة، مقابل 37 في المائة في الوظائف الإدارية وقطاع الخدمات المساندة، و32 في المائة في قطاع المصارف والتأمين، و24 في المائة في قطاع البناء. القائمة تطول، والمتضررون لن يكونوا في قطاع العمال فحسب، بل كذلك في قطاعات الموظفين والفنيين وغيرهم. الواقع، أن 60 في المائة من المهن سوف تتأثر بالتغيرات القادمة، وفقاً للتوقعات، وستخسر في المتوسط ثلث وظائفها للروبوتات والماكينات والأجهزة الذكية.
كثير من الشركات تستثمر حالياً في مجال السيارات التي ستقود نفسها، أو بقليل من التدخل من السائق. وهناك شركات تستثمر في مجالات الشاحنات الذكية التي تعمل بنظام قافلة تقودها شاحنة ذكية في المقدمة يشرف عليها فني - سائق يقطر وراءه شاحنات موجهة بالكومبيوتر. وفي عدد من الدول الصناعية هناك قطارات تعمل من دون سائق ومستخدمة منذ فترة، ويتوقع أن تتزايد وتيرة إنتاجها واستخدامها. بالنسبة للقطاعات الأخرى، تجري بعض الشركات أبحاثاً لتطوير روبوتات تتولى العناية بكبار السن، من تقديم الدواء في الوقت المحدد، إلى جلب الأغراض من غرفة إلى أخرى، وإطفاء الأنوار أو تشغيل التلفزيون والموسيقى بتلقي الأوامر الصوتية، إضافة إلى تزويدها ببرامج لتسلية من يعانون من الوحدة.
وفي مجال الإعلام، بدأ الكومبيوتر يحل محل الصحافيين في إعداد بعض القصص الإخبارية، مثل تلك القصص التي تعتمد على تحليل البيانات ومقارنتها، مثل تحليل الطقس أو نتائج مباريات كرة القدم، أو نسبة الجريمة أو تأثير التدخين على الصحة مثلاً. وفي هذا الصدد، أعلنت وكالة «برس أسوسييشن» الإخبارية البريطانية، أنها تعتزم زيادة عدد القصص الإخبارية القصيرة التي يعدها الكومبيوتر وليس الصحافيون لتبلغ نحو 30 ألف قصة بحلول أبريل (نيسان) 2018.
الصورة، كما يحاول العلماء طمأنتنا، ليست سوداوية بالكامل؛ فالروبوتات وتقنيات الذكاء الاصطناعي لن تحل محل البشر بالكامل، ولن تؤدي إلى انهيار سوق العمل، أو إضعاف اقتصاديات العالم. فمثل كل الثورات الصناعية السابقة يتوقع أن يكون هناك ازدهار ونمو اقتصادي، لكن مع خسائر على الصعيد الإنساني بسبب النمو المتوقع في البطالة، والتأثيرات السالبة على الصعيد الاجتماعي. تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات ستزيد الإنتاجية في الكثير من مجالات العمل مع خفض تكاليفها؛ مما يعني المزيد من المداخيل والأرباح للشركات، مع إمكانية خلق مجالات عمل جديدة في قطاعات أخرى يتوقع أن تستفيد مثل قطاع النقل وقطاع التجارة الإلكترونية. المشكلة أن توزيع المداخيل الجديدة لن يكون بالتساوي في كل القطاعات، فبعضها سوف يستفيد، وعدد منها سيخسر. أضف إلى ذلك، أن الوظائف التي ستخلق ستكون أقل بكثير من تلك التي فقدت.
المختصون يدعون الحكومات للاستعداد والبدء في برامج لتدريب العمال والموظفين في القطاعات المهددة؛ لتمكينهم من التأقلم مع المتغيرات والعثور على وظائف جديدة. لكن الأهم يكمن في كيفية تأهيل الشباب وتكييف مخرجات التعليم لتتواءم مع المتغيرات المتوقعة في عصر الروبوتات والماكينات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي... فهذا هو التحدي الحقيقي.