نوح سميث
كاتب في «بلومبيرغ»
TT

البنك الدولي... تساؤلات ومشاكل عميقة

لم تكن مغادرة بول رومر، كبير خبراء الاقتصاد في البنك الدولي، لمهام منصبه الأسبوع الماضي مجرد قصة رجل واحد ومنصبه السابق. فمما لا شك فيه أن مغادرته لوظيفته قد تأثرت بالعوامل الفردية، ولكنها تعكس في الوقت نفسه التحديات الكبيرة التي تواجه البنك كمؤسسة.
والسيد رومر، بمنتهى الصراحة، رجل مثير للجدل. وهو من أبرز الباحثين في مجال النمو الاقتصادي، ولقد أمضى السنوات الطوال مهاجماً أفكار مستشاره في رسالة الدكتوراه، خبير الاقتصاد الكلي روبرت لوكاس، ومهاجماً مجال الاقتصاد الكلي ذاته. وفي البنك الدولي، اتسم عهده بالمناقشات الساخنة، بما في ذلك كم عدد المرات التي ينبغي استخدام كلمة (و) في الاتصالات الرسمية!
إن هذا النوع من المقاربات يمكن أن يكون مفيداً للغاية في السياق الأكاديمي. وفي واقع الأمر، كانت العديد من انتقادات السيد رومر للاقتصاد الكلي عبارة عن حقائق كان غيره من العاملين في المجال نفسه يخشون الحديث عنها (رغم أنني غير متأكد تماماً من نصائحه النحوية). ولكن عندما يتعلق الأمر بالملاحة في محيط البيروقراطية المعقدة داخل مؤسسة عملاقة مثل البنك الدولي، فإن الكمال، والصراحة الشديدة، والدقة الفائقة ليست بالضرورة من السمات المحببة للنفس.
غير أن التساؤل الأكبر يتعلق بالبنك الدولي نفسه. فإن السبب المباشر لمغادرة السيد رومر لمنصبه ربما كان له علاقة بالصراع العام حول تصنيفات تسهيل ممارسة الأعمال، التي جرى الاستشهاد بها في الآونة الأخيرة. وهذا المؤشر، الذي يعمل البنك الدولي على تحديثه بصورة متكررة، يهدف إلى قياس مدى سهولة إنشاء شركة جديدة في دولة معينة.
ومن المفترض أن وجود بيئة تجارية ملائمة - سواء من قبل البنك أو من قبل العديد من خبراء الاقتصاد - هو من الأمور الجيدة. ويُعتقد أن يسفر ذلك عن التدمير الأكثر إبداعاً - أي الاهتزازات العنيفة والمستمرة في الصناعات والشركات التي تحسن من الاقتصاد من خلال المنافسة التي تقضي على المنتجين غير الفاعلين. كما أنها تعمل كذلك على تقليل القدرات الاحتكارية، من خلال تسهيل دخول الشركات الجديدة إلى الأسواق والمنافسة.
وتلك هي النظرية المجردة، على أي حال. ولكن في الواقع، فإن سهولة ممارسة الأعمال يصعب كثيراً قياسها - ومعايير البنك الدولي قد لا تستوفي العوامل الأكثر أهمية في تشجيع ديناميكية الأعمال، أو أن التصنيفات قد تضعف من العوامل بشكل غير صحيح. تميل الدول الغنية لأن تحتل المرتبة الأعلى، ولكن قد يكون الأمر كذلك بسبب أن البلدان تسهل من ممارسة الأعمال بمجرد أن تصبح غنية.
ولقد بلغت تصريحات السيد رومر عناوين الصحف الرئيسية خلال الشهر الحالي، حيث تحدث إلى الصحافيين من جريدة «وول ستريت جورنال»، ووجه الاتهامات إلى البنك الدولي بتغيير المعدلات والتصنيفات بشكل غير منصف. ولاحظ السيد رومر أن التغييرات في العوامل التي تستخدم في بناء المؤشر تحمل تأثير رفع تصنيف دولة شيلي تحت الحكومة المحافظة وخفض التصنيف تحت الحكومة الاشتراكية. وأوضح السيد رومر في وقت لاحق أنه لا يعني التأكيد على أن السياسات هي من العوامل التي تؤثر على قرارات البنك الدولي، ولكن وبرغم ذلك فقد ألحقت الأذى بسمعة التصنيفات، وبسمعة البنك الدولي نفسه، وهي التأثيرات التي يمكن أن تكون طويلة الأمد. وفي حين أن منصب رومر كبير خبراء الاقتصاد قد اتسم بالعديد من المصادمات، فإن هذه المعركة كانت القشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير.
وسواء كانت خاضعة للدوافع السياسية من عدمه، فإن الفائدة العامة المرجوة من تصنيفات سهولة ممارسة الأعمال صارت موضع شكوك كبيرة. ويعتقد الكثير من مؤيدي الأسواق الحرة، مثل جون كوكرين من معهد هوفر، أنه إن تمكنت الدول من تعديل مركزها على تصنيفات البنك الدولي، فإن النمو سوف يتبع المسار بصورة طبيعية. غير أن الأدلة تفيد بخلاف ذلك. ففي عام 2016، عكف طالب علوم الاقتصاد والمدون المعروف إيفان سولتاس على قياس ما إذا كانت الزيادات الكبيرة في موضع الدولة على تصنيفات البنك الدولي يتبعها النمو الاقتصادي سواء بسواء. ولم يعثر على أي أثر ملموس لذلك حتى على المدى البعيد، وأن تلقي مشورة البنك الدولي بشأن القضايا الهيكلية يبدو طفيف التأثير، إن كان له تأثير بالأساس، على النمو الاقتصادي.
وإن كانت نتائج سولتاس راسخة، ومع اعتبار الأداء الضعيف لتصنيفات أخرى لظروف أداء الأعمال، يبدو أن ذلك يعني أن البنك الدولي كان يوصي بتطبيق السياسات القائمة على التوقع والافتراض بأكثر ما تقوم على الأدلة الحقيقية الراسخة. وفي حين أن الدول كثيراً ما تعمل جاهدة لتحسين أوضاعها على تصنيفات البنك الدولي، فإن هذا يعني أن البنك الدولي ربما كان يبدد بنفسه من نفوذ سياساته. وإذا كانت الإصلاحات، التي تهدف إلى ارتقاء التصنيفات العالمية في نهاية المطاف، قد جعلت من المجتمعات أقل مساواة، فإن البنك الدولي قد يكون له تأثير سلبي على فقراء العالم. وهذا من قبيل الأخطاء الظاهرة على غرار ما اقترفته المؤسسة الشقيقة، صندوق النقد الدولي، والذي أوصى بتطبيق سياسات التقشف المالي التي اعترف الصندوق في وقت لاحق، بأنها أضرت بالدول التي كان الصندوق يهدف لمساعدتها.
وإن صحّ الأمر، فسوف يكون ذلك سيئاً بالنسبة للبنك الدولي، والذي كان يعاني من أزمة هوية قاسية خلال السنوات الأخيرة. والنمو العالمي يعني أن قلة من البلدان في حاجة إلى أو ترغب في القروض الإنمائية من البنك الدولي، مما يتركها تبحث عن سبب لمواصلة البقاء على قيد الحياة.
لقد تصور العديد أن البنك الدولي، الذي يعمل لديه عدد كبير من خبراء الاقتصاد أصحاب الخلفيات الأكاديمية الراقية، أنه يعمل كمثل المؤسسة البحثية المعنية بتقديم المشورة للبلدان بشأن كيفية تعزيز النمو. وليس هناك من أحد في حاجة إلى أو يرغب في مؤسسة بحثية تقدم النصائح والوصايا السيئة.
وعلى الرغم من أن مغادرة السيد رومر لمنصبه سوف تأخذ البنك الدولي بعيداً عن عناوين الأخبار لفترة من الوقت، فإن التساؤلات العميقة المعنية بمستقبل البنك الدولي لا تزال قائمة. ومشاكل البنك الدولي كبيرة للغاية من مجرد خبير للاقتصاد مثير للجدل.
*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»