د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

الانقسامات الحزبية في العراق

يراهن المراقبون السياسيون للشأن العراقي بأن نتائج الانتخابات القادمة في العراق التي ستجري يوم 12 مايو (أيار) المقبل بعد حكم المحكمة العليا بأن تجري الانتخابات في موعدها، ستكون مختلفة عما سبقتها إذا لم يشبها التزوير وشراء الأصوات والذمم، ويعود السبب إلى تمزق وانقسام التحالفات الحزبية القديمة التي قادت البلاد منذ أول انتخابات أجريت عام 2005، والأدلة على ذلك واضحة، فحزب الدعوة الإسلامي، وهو من أقوى الأحزاب العراقية وأقدمها، دب الخلاف بين قادته وانشق الحزب على نفسه، فرئيس الوزراء العراقي الحالي حيدر العبادي شكل ائتلافاً جديداً سماه «ائتلاف النصر» للمشاركة في الانتخابات، وقد ضم الائتلاف الجديد أقطاب الحشد الشعبي وقادته الميدانيين.. لكن هذا التحالف لم يدم طويلاً وانسحبت قيادات الحشد الشعبي من ائتلاف النصر...
نوري المالكي رئيس الوزراء السابق وعضو حزب الدعوة ورئيسه سابقاً، أعلن عن ترشيح نفسه ضمن ائتلاف دولة القانون. رئيس الوزراء العراقي السابق الدكتور إياد علاوي شكل تنظيم «ائتلاف الوطنية» الذي يضم 33 حزباً، وقد انضم إليه رئيس ائتلاف العربية صالح المطلك.
رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري شكل ائتلافاً جديداً عابراً للطائفية، ويضم ائتلاف النجيفي الأمين العام للمشروع العربي خميس الخنجر والنائب طلال الزوبعي ووزير الدفاع السابق خالد العبيدي. أما الزعيم الشيعي مقتدى فقد أسس حزب الاستقامة في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي وتحالف مع عدة أحزاب مدنية من بينها الحزب الشيوعي العراقي الذي انسحب من تحالف القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) لينضم إلى تحالف السائرين نحو الإصلاح الذي يتزعمه مقتدى الصدر.
السؤال هل تتمكن الأحزاب الطائفية المتصارعة من أن تخوض الانتخابات القادمة وهي لا تملك رؤية واضحة عما يريد كل منها؟ وكيف يمكن تحقيق التنمية والرخاء بعيداً عن الأطروحات الحزبية الضيقة ذات البعد الطائفي؟
المشكلة الرئيسية للأحزاب العراقية هي أنها متشابهة في أطروحاتها وشعاراتها.. لم تقدم هذه الأحزاب أي برامج لكيفية تقديم الحد الأدنى من الخدمات الاجتماعية في مجال الصحة والتعليم والكهرباء والماء وغيرها من الخدمات التي يحتاجها الشعب العراقي، هنالك مفارقات غريبة وعجيبة في التحالفات العراقية، فالحزب الشيوعي العراقي يؤمن بالعدالة والمساواة بين الرجل والمرأة وأهمية فصل الدين عن الدولة والمساواة التامة بين المواطنين، بينما مقتدى الصدر كرجل دين لا يؤمن بالدولة العلمانية ولا يمانع تعدد الزوجات والأهم من كل ذلك يؤمن بأن الإسلام دين ودولة...
التحالفات الحزبية الضيقة لا تخلق دولة مدنية عمادها القانون والدستور... وهناك من هذه الأحزاب ما هو متورط في عمليات فساد ونهب خيرات الشعب العراقي... هل يمكننا الوثوق بكلام الفاسدين بعد أن غيروا طبيعة أحزابهم وحركاتهم السياسية لخداع الناس والعودة إلى الحكم.
لقد كان الزعيم العراقي مقتدى الصدر صادقاً عندما قال: «أعزي شعبي المجاهد الصابر فيما آلت إليه الاتفاقيات السياسية البغيضة من تخندقات طائفية مقيتة لتمهد لعودة الفاسدين مرة أخرى».
لا أحد من القادة السياسيين لديه فهم واضح للمعنى الحقيقي للانتخابات البرلمانية التنافسية، في بلد من المفترض أن يبدأ العملية الديمقراطية حسب أصولها... من أهم أسس الانتخابات الحرة الديمقراطية توسيع قاعدة المشاركة السياسية، فالسياسيون السنة في العراق طالبوا بتأجيل الانتخابات حتى نهاية العام الحالي حتى يتسنى الاقتراع لقطاع كبير من السنة العراقيين الذين يقدر عددهم بنحو مليون وستمائة ألف ناخب من محافظة نينوى من المهاجرين الذي يسكنون في مخيمات مؤقتة ولم يعودوا إلى بيوتهم الخربة حتى الآن.... هذا القطاع الكبير من المواطنين لن يتمكنوا من المشاركة في عملية الاقتراع بسبب عدم تسجيل أسمائهم في السجلات الجديدة الإلكترونية، واضح جداً أن الأحزاب الشيعية المهيمنة على السيادة في العراق لم تستفد من تجربتها الحزبية الضيقة طوال الـ4 سنوات الماضية، فهم بكل بساطة يحاولون العودة للحكم بأي طريقة لممارسة نهجهم القديم، لكن هنالك وعياً سياسياً متزايداً لدى الشعب العراقي برفض الطائفية واستغلال الدين للاستمرار في حكم الفساد والفاسدين في العراق.