مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

يدخل الجنّة وهو يضحك

بعض المشايخ، ولا أقول كلهم، ترى الواحد منهم وقد اعترته الكآبة وأصبح وجهه، والعياذ بالله، عبوساً قمطريراً، معتقدين أن تلك السمة تزيدهم وقاراً ومهابة، وكأنهم لم يقرأوا ما رواه (أنس بن مالك) من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان من أفكه الناس، وهو القائل: روّحوا القلوب ساعة وساعة.
المشكلة أن تلك الفئة لا تروح قلوبها لا ساعة ولا حتى دقيقة.
والرسول عليه السلام عندما شاهد بعض الصحابة يعيبون على (نعيمان) مزاحه، قال لهم: أنّى تعجبون؟ إنه ليدخل الجنّة وهو يضحك. ويا بخت من يدخلها وهو يضحك، ويا ليتني أدخل معه وأكون حتى من أصغر صبيانه.
وعن عبد الله بن سرجس قال: أتى الضحّاك بن سفيان الكلابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعته، ثم قال: عندي امرأتان أحسن من هذه الحُميراء؛ أفلا أنزل لك عن إحداهما فتتزوجها؟ وكانت عائشة جالسة تسمع قبل أن يضرب الحجاب، فقالت: أهي أحسن أم أنت؟ قال: بل أنا أحسن منها وأكرم. وكان امرأ دميماً قبيحاً. قال: فضحك النبي من مسألة عائشة إياه.
وليس هناك أقرب للنبي من علي بن أبي طالب الذي قال: لا بأس بالمفاكهة. وسبق أن أهدى المجوس له (فالوذجاً)، فسألهم: ما هذا؟! فقالوا له: إنه يوم (النيروز)، فقال: ليكن كل يوم نيروزاً وأكلاً، وفي رواية قيل: إنه يوم (المهرجان) فقال: مَهْرِجُونا كل يوم هكذا.
وسبق لرسول الله عليه الصلاة والسلام أن قال (لعائشة) رضي الله عنها: إني لأعرف إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى، قالت: وكيف تعرف ذلك؟ قال: إذا رضيت قلت «لا وإله محمد» وإذا غضبت قلت «لا وإله إبراهيم»، قالت: أجل يا رسول الله ما أهجر إلاّ اسمك، وقد ألممت بذلك في قولي:
قال حبيبي منك قد عرفت وقت الغضب
عند الرضا تحلف بي ومع سواه بأبي
فقلت لا أهجر إلاّ اسمك يا معذبي
وكانت رضي الله عنها حافظة للشعر وتمثلت بما قاله أحد الشعراء:
وقد نبئت أني حلفت بغيرها
وأني لعقد الحب فيها لفاسخ
ما تدري أني ما هجرت سوى اسمها
وأن هواها في فؤادي راسخ
والذي أقصده من المفاكهة هو: ألا يكون الإنسان (فاغر الفهشة)، ويتقافز دائماً (كالأرقوز) أو القرد، ولكن عليه أن يحفظ عن ظهر قلب، هذين البيتين من الشعر:
أفد طبعك المكدود بالجد راحة
يجم وعلله بشيء من المزح
ولكن إذا أعطيته المزح فليكن
بمقدار ما تعطي الطعام من الملح